قصة التاجر الدمشقي ودعوة الأم: كيف غيرت نصيحة بسيطة مسار حياته

قصة التاجر الدمشقي ودعوة الأم
في قلب دمشق، حيث الأزقة المزدحمة والأسواق التي لا تهدأ، كان هناك تاجر معروف بخبرته ومهارته في التجارة. ولكن على الرغم من نجاحه، كان هناك شيء مفقود في حياته. كان يركض وراء المال والمكاسب المادية، غير مدرك أن هناك أمرًا أكثر أهمية ينتظره. في يوم من الأيام، قدمت له أمه نصيحة بسيطة، لكنها كانت كافية لتغيير مسار حياته بشكل كامل. تلك النصيحة كانت أكثر من مجرد كلمات، بل كانت دعوة إلى التأمل والتغيير، لتفتح أمامه أبوابًا لم يكن ليتصورها. في هذه القصة، نروي كيف أثرت دعوة الأم في حياة هذا التاجر الدمشقي، وكيف جعلت منه شخصًا أكثر إدراكًا للحياة والقيم.
القصة
كيف لك ألا تخسر في حياتك ولا مرة واحدة؟!
إجابة هذا السؤال تتلخص في هذه القصة الآتية، يحكى في الزمن العباسي أن تاجراً دمشقياً كان دائماً يدخل في تحدي زملاءه من التجار ويقول لهم: (إنني طوال حياتي لم أقم بتجارةٍ وخسرت فيها ولا حتى مرة واحدة)!
وبيوم من الأيام ضحك مما يقوله أصدقائه بتهكم، وسألوه: (وكيف لك ألا تخسر في حياتك في أي تجارة لك ولا حتى مرة واحدة؟!)
حزن من سخريتهم، وأراد أن يثبت لهم صدقه، فطلب منهم أن يقدموا له تحدياً، فقالوا له: (إن من المستحيلات أن تبيع تمراً في العراق وتربح من هذه التجارة، وذلك لأن التمر هناك متوفر كتوفر التراب في الصحراء)!
فقال لهم التاجر: (أما عني فقد قبلت التحدي)، فاشترى على الفور تمراً مستورداً من العراق وانطلق شرقاً إلى عاصمة الخلافة العباسية آنذاك.
و يحكى أن الواثق بالله حينها كان ذاهباً في نزهة إلى الموصل حيث الربيع، وكانت مدينة الموصل من أجمل المدن في شمال العراق بطبيعتها حيث كانت تسمى أم الربيعين لأنها صيفا وشتاء هي ربيع بطبيعتها، وكانت ابنته قد أضاعت قلادتها في طريق العودة من الرحلة فبكت واشتكت لوالدها الخليفة.
فأمر الخليفة “الواثق” بالبحث في الحال على قلادة ابنته، والعثور عليها ولكي يتأكد من جدهم في البحث قام بإغراء سكان بغداد بأنه من يجد قلادة ابنته فسيكون من حظه مكافأة عظيمة، بل وسيزوجه بها!
ولما وصل التاجر الدمشقي إلى مشارف بغداد وجد الناس مثل المجانين منطلقين إلى البر للبحث عن القلادة فسألهم في تعجب وحيرة من أمرهم: “ماذا هناك؟!”
فحكوا له قصتهم، وقصة الخليفة وابنته التي أضاعت قلادتها والمكافأة، وقال كبيرهم: (وأسفاه لقد نسينا أن نأخذ زاداً ولن نستطيع العودة الآن وإلا سبقنا العالم).
ومعظمهم سارع للبحث عن القلادة دون أن يخطر بباله المدة التي سيمضيها في البحث ولم يأخذ معه زادا للطريق، ولم يستطع العودة للتزود بالزاد خوفاً أن يسبقه بقية العالم.
فقال لهم التاجر الدمشقي: (أنا أبيعكم تمراً).
وفي الحال اشتروا منه كمية التمر كلها بأغلى الأثمان ؛ وقال التاجر الدمشقي في نفسه: (ها أنا أفوز بالتحدي).
سمع الخليفة “الواثق” الذي كان بالجوار من البعض عن خبر التاجر الدمشقي وأمره، وكيف له أن يبيع تمراً في العراق ويربح، فتعجب من ذلك أشد العجب وأرسل رجاله في طلبه، وحينما أتاه طلب منه الخليفة أن يقص عليه قصته.
فقال التاجر الدمشقي للخليفة: (يا مولاي أطال الله عمرك وأدام الله عزك إنني من يوم أن دخلت مجال التجارة ولم أخسر فيه ولو حتى مرةً واحدةً، وأصدقائي جعلوني في تحدي بأن أبيع التمر بالعراق لأؤكد لهم صدق ما أقوله هم).
فسأله الخليفة “الواثق” عن السبب وراء ذلك، فقال له: (يا مولاي لقد كنت ولداً فقيراً يتيماً، وكانت أمي معاقة واعتنين بها منذ صغري، وكنت أعمل وأكسب قوت يومي ويومها منذ أن كنت في الخامسة من عمري وحسب؛ وحينما بلغ بي العمر العشرون عاما، كانت أمي قد شارفت على مشارف الموت، وبينما كانت تنازع سكرات الموت رفعت يديها إلى السماء داعية الله سيحانه وتعالى أن يوفقني وألا يريني الخسارة في ديني ودنياي أبداً، وأن يزوجني من بيت أكرم أهل العصر وأن يحول التراب في يدي ذهبا).
وبحركة لا إرادية منه أمسك بيديه حفنة من التراب وهو يتكلم، فابتسم الخليفة “الواثق” من كلامه وإذا به يشعر بشيء غريب في يده فمسكه بيده ونظر إليه وإذا هي قلادة ذهبية وعرفتها ابنة الخليفة “الواثق”.
وهكذا استجاب الله سبحانه وتعالى دعاء والدته، وبسبب دعاء والدته بات هذا التاجر الدمشقي أول من صدر التمر إلى العراق في التاريخ وبنجاح وأصبح صهر الخليفة الواثق بنفسه.
سبحان الله فدعوة الأم مستجابة، وكم هو فاقد في هذه الحياة الدنيا من فقد أمه، فالأم هبة الرحمن، وتحمل الأم خصالًا خصها الله بها، ومنها تجدد الهمة والنشاط؛ لتستكمل مسيرتها بثبات وقوة مستمدة من رغبتها في حب وإسعاد الآخرين؛ فجهودها لا تتوقف، ومحبتها لا تفتر؛ لإيمانها بدورها ورسالتها التي خُلقت من أجلها؛ لذا فإن تكريمها والاحتفاء بها واجب مستحق، والبر التام الذي لا ينقطع لها في الحياة وبعد الممات.