قصة النبي يوشع بن نون عليه السلام كاملة
قصة النبي يوشع بن نون عليه السلام واحدة من القصص التي تبرز فيها عظمة الإيمان وقوة القيادة. بعد وفاة نبي الله موسى عليه السلام، كان يوشع بن نون هو القائد الذي تولى قيادة بني إسرائيل، وقادهم إلى النصر في معركة عظيمة كانت نتيجة إيمانهم بالله عز وجل. يوشع كان من المؤمنين المخلصين الذين نشأوا في ظل دعوة موسى عليه السلام، وعاشوا معه مراحل شديدة من التحدي والصبر. في هذه القصة، نستعرض دور يوشع بن نون في هداية قومه، ومعجزاته التي حدثت ببركة الله، وكيف قادهم لعبور نهر الأردن إلى أرض كنعان المقدسة.
القصة
كان يا ما كان… كان هناك فتى صغير يعيش مع نبي الله موسى عليه السلام. وفي يوم من الأيام، قام نبي الله موسى خطيبًا في بني إسرائيل، فقال: “أي الناس أعلم؟” فقال: “أنا.” فعتب الله عليه إذ لم يرد العلم إليه، فقال له: “بلى، إلى عبد بمجمع البحرين هو أعلم منك.”
قال: “أي رب ومن لي به؟” قال: “تأخذ حوتًا فتجعله في مكتل، حيثما فقدت الحوت فهو ثم.” وأخذ حوتًا فجعله في مكتل، ثم انطلق هو وفتاه يوشع بن نون… فكان هذا الفتى هو يوشع بن نون الذي صحب موسى عليه السلام في تلك الرحلة المباركة لطلب العلم. وكان موسى عليه السلام يعده ويربيه ويعلمه، ففاز يوشع عليه السلام بصحبته وجنى الثمرات الكثيرة من ورائها.
بنو إسرائيل ينقضون العهد مع موسى عليه السلام
كان الله قد أمر موسى أن يجند بني إسرائيل وأن يجعل عليهم نقباء، كما قال الله سبحانه وتعالى:
“وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّـهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمْ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا، وَقَالَ اللَّـهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمْ الصَّلَاةَ وَآتَيْتُمْ الزَّكَاةَ وَآمَنتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمْهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّـهَ قَرْضًا حَسَنًا لَأُكَفِّرَنَّ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارَ فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ.”
وهكذا نرى العهد مشروطًا بميثاق أخذه الله عليهم: أن يقاتلوا ولا يفروا، وأن يقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، ويؤمنوا برسله جميعهم. ولكن كعهد اليهود دائمًا… خونة، وأصحاب مصالح، لا يوفون بعهد الله أبدًا. فقد أنكروا، وغيروا، ورفضوا الوفاء بالعهد، وكذبوا الأنبياء وهم يعلمون. لقد رفضوا أن يدخلوا مع نبي الله موسى عليه السلام لما أراد أن يحرر بيت المقدس من أيدي الجبابرة.
يوشع يتولى الحكم والنبوة بعد موسى عليهما السلام
توفي هارون عليه السلام، ثم توفي موسى عليه السلام بعده بثلاث سنوات، وأقام الله فيهم يوشع بن نون عليه السلام، نبيًا خليفة عن موسى بن عمران. ومات أكثر بني إسرائيل هنالك في تلك المدة، ويقال: إنه لم يبق منهم أحد سوى يوشع وكالب. فلما انقضت المدة، خرج بهم يوشع بن نون عليه السلام أو بمن بقي منهم من جيل ثاني، فقصد بهم بيت المقدس فحاصرها. فكان فتحها يوم الجمعة بعد العصر.
النبي صلى الله عليه وسلم يصف لنا كيف فتح يوشع (عليه السلام) بيت المقدس
وقد وصف لنا النبي محمد صلى الله عليه وسلم وصفًا دقيقًا عن كيفية فتح يوشع عليه السلام لبيت المقدس.
لقد حرص نبي الله يوشع عند انطلاقته لفتح المدينة التي يقصدها على أن يكون جيشه قويًا متماسكًا، ولذلك أخرج من جيشه المقاتلين الذين قد يكونون سببًا في الهزيمة، لانشغال قلوبهم انشغالًا كبيرًا بمسائل الدنيا التي لا يستطيعون التخلص من انشغال قلوبهم وعقولهم بشأنها. فقد استثنى ثلاثة أصناف من المقاتلين وأمرهم بعدم الخروج معه:
- الصنف الأول: الذي عقد نكاحه ولم يدخل بزوجته، ولا شك أن هذا الصنف يكون متعلقا قلبه بزوجه أشد التعلق، وبخاصة إذا كان في مرحلة الشباب.
- الصنف الثاني: المشغول ببناء لم يكمل بناءه بعد.
- الصنف الثالث: الذي اشترى غنمًا أو نوقًا حوامل وهو ينتظر أن تلد أو تُنتج.
إن المبدأ الذي اعتمده هذا النبي يدل على أنه قائد فذ، صاحب نظرية في قيادة الجيوش وإعدادها للقتال الذي يكون به النصر… فالجيوش لا تنتصر بكثرة عددها، بل بالنوعية التي تقاتل. فالنوعية أهم من العدد والكمية.
ولذا أخرج من جيشه المشغولين القلوب، الذين يكونون في أرض المعركة وقلوبهم معلقة بالزوجة التي سيدخل بها، أو البناء الذي سيسكنه، أو الماشية والأنعام التي ستلد وتنتج.
يوشع عليه السلام يخاطب الشمس
خرج يوشع بجيشه متجهاً إلى القرية التي يريد غزوها، فدنا من القرية في عصر ذلك اليوم، ومعنى ذلك أن فرصته في فتح المدينة ليست قوية، لأن القتال في الليل ليس سهلاً. وقد يكون ذلك اليوم يوم الجمعة، وعليه أن يوقف القتال إذا غربت الشمس، لأن دخول الليل يعني دخول يوم السبت، والقتال محرم على بني إسرائيل في يوم السبت. ومعنى ذلك أنه سيعود عن القرية قبل فتحها، وهذا سيعطي أهل القرية فرصة لتقوية جيشهم، وإصلاح أسوارهم، وإعداد المزيد من السلاح. فتوجه يوشع إلى الشمس مخاطبًا لها قائلاً: “إنك مأمورة، وأنا مأمور.” ثم دعا ربه قائلاً: “اللهم احبسها علينا…” واستجاب الله دعاءه، فأخر الغروب حتى تم النصر.
وفي ذلك يقول الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم: “ما حبست الشمس على بشر قط إلا على يوشع بن نون حين سار إلى بيت المقدس.”
من تواضع لله رفعه الله
قال صلى الله عليه وسلم: “من تواضع لله رفعه الله.”
فإنه عندما دخل يوشع عليه السلام فاتحًا منتصرًا، أمر بني إسرائيل أن يدخلوا مدينة بيت المقدس ساجدين، أي: ركعًا متواضعين، شاكّين لله عز وجل على ما منّ به عليهم من الفتح العظيم الذي وعدهم به الله، وأن يقولوا حال دخولهم: “حطة”، أي: حط عنا خطايانا التي سلفت من تكبرنا الذي تقدم منا.
ولهذا دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة يوم فتحها، دخلها وهو راكب ناقته متواضعًا حامدًا شاكِرًا، ثم لما دخلها اغتسل وصلى ثماني ركعات، وهي صلاة الشكر على النصر. أما بني إسرائيل، فقد خالفوا ما أمروا به قولًا وفعلاً، فدخلوا الباب يزحفون على أستاههم وهم يقولون: “حبة في شعرة”، وفي رواية: “حنطة في شعرة”.
الجزاء من جنس العمل
لم تكن هذه الجريمة هي أول جرائم بني إسرائيل ولا آخر جرائمهم، فقد عذبوا رسلهم كثيرًا بعد موسى عليه السلام، وتحولت التوراة بين أيديهم إلى قراطيس يبدون بعضها ويخفون أكثرها، وامتد هذا اللعب إلى العقيدة. وأخبر الله سبحانه وتعالى عنهم بهذا فقال عز وجل:
“وما قدروا الله حق قدره إذ قالوا: ما أنزل الله على بشر من شيء. قل: من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نورًا وهدى للناس، تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون كثيرًا، وعلمتم ما لم تعلموا أنتم ولا آباؤكم. قل: الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون.”
رجع بنو إسرائيل مجددًا إلى ظلمهم لأنفسهم، ظنوا أنهم شعب الله المختار، وتصوروا انطلاقًا من هذا الاعتقاد أن من حقهم ارتكاب أي شيء وكل شيء. وعظمت فيهم الأخطاء وكثرت الخطايا، وامتدت الجرائم بعد كتابهم إلى أنبيائهم، فقتلوا أنبياء الله، وقست قلوبهم حتى عميت. وتطاول عليهم الزمن فقالوا: “قلوبنا غلف.” قال سبحانه وتعالى:
“فبما نقضهم ميثاقهم وكفرهم بآيات الله وقتلهم الأنبياء بغير حق، وقولهم: قلوبنا غلف. بل طبع الله عليها بكفرهم فلا يؤمنون إلا قليلا.”
تسليط الملوك الجبارين عليهم
فسلط الله عز وجل عليهم بعد رحمة الأنبياء ملوكًا جبارين يسفكون دماءهم ويظلمونهم، ويذيقونهم أشد العذاب. وسلط الله عز وجل أعداءهم عليهم ومكّن لهم من رقابهم وأموالهم. وكان معهم تابوت الميثاق، وهو تابوت يضم ما بقي مما احتفظ به موسى وهارون. ويحكى أن هذا التابوت كان يجمع ما تبقى من ألواح التوراة التي أنزلت على نبي الله موسى عليه السلام.
ونجت من يد الظالمين منهم والمفتريين، وكان لهذا التابوت بركة تمتد إلى حياتهم وحروبهم، فكان وجود التابوت بينهم في الحرب يمدهم بالسكينة والثبات، ويدفعهم إلى النصر. فلما ظلموا أنفسهم ورفعت التوراة من قلوبهم المتحجرة، لم يبق هناك معنى لبقاء نسختها معهم. وهكذا ضاع من بين أيديهم تابوت العهد، وضاع في حرب من حروبهم التي هزموا فيها.
وهنا… مات نبي الله يوشع بن نون، ذلك القائد الفذ الرباني الذي استطاع بالإخلاص أن يقود بني إسرائيل إلى نصر كان عزيزًا عليهم، فحققوه.
وحان وقت الرحيل
ولما استقرت يد بني إسرائيل على بيت المقدس استمروا فيه، وبين أظهرهم نبي الله يوشع يحكم بينهم بكتاب الله التوراة حتى قبضه الله إليه وهو ابن مائة وسبع وعشرين سنة، فكانت مدة حياته بعد موسى سبعًا وعشرين سنة.
الدروس المستفادة من القصة:
- إذا أردنا أن ننشئ أولادنا نشأة طيبة، فلا بد أن نجعلهم في صحبة الصالحين من أهل العلم ليقوموا بتربيتهم تربية إيمانية تجعلهم بعد ذلك رجالًا صالحين ينفع الله بهم البلاد والعباد.
فقد رأينا كيف تربى نبي الله يوشع بين يدي نبي الله موسى عليهما السلام، فكان بعد ذلك نبيًا خليفة على بني إسرائيل. - إن قائد الجيش لابد أن يبحث عن الجندي الذي يريد أن يبذل نفسه وماله لله.
أما الجندي الذي ينشغل بحطام الدنيا فإنه يكون نقطة ضعف في الجيش وقد يكون من أسباب الهزيمة. ولذا اشترط يوشع عليه السلام ألا يخرج معه أحد مشغولًا بشيء من الدنيا. - أن اليقين والثقة في الله من أعظم أسباب النصر،
فقد رأينا كيف أن يوشع عليه السلام نظر إلى الشمس بكل يقين وتوكل وثقة في الله، وسأل الله أن يحبس له الشمس فلا تغرب حتى يفتح بيت المقدس، فحبس الله له الشمس حتى فتح بيت المقدس. - أن الله عز وجل يؤيد الأنبياء بالمعجزات التي تعينهم على تبليغ دعوتهم ونشر دين الحق بين الناس.
فنحن نعلم أن حبس الشمس بلا غروب ليس أمرًا عاديًا، بل كان معجزة من الله لنبيه يوشع عليه السلام. - أن من تواضع لله رفعه الله جل وعلا.
فقد رأينا كيف أن يوشع عليه السلام لما دخل فاتحًا منتصرًا، أمر بني إسرائيل أن يدخلوا مدينة بيت المقدس ساجدين متواضعين شاكين لله جل وعلا. - أن البغي والظلم والكِبر والخروج عن أمر الله سبب لجلب سخط الله وعذابه.
فقد رأينا كيف أن بني إسرائيل لما بغوا وتكبروا وظلموا وقتلوا الأنبياء، سلط الله عليهم قسوة الملوك الجبارين الذين يظلمونهم ويسفكون دماءهم.