قصة سيدنا شعيب عليه السلام: كيف عبد قومة شجرة من دون الله؟
قصة سيدنا شعيب عليه السلام: كيف عبد قومة شجرة من دون الله؟
قصة سيدنا شعيب عليه السلام هي واحدة من القصص العظيمة التي وردت في القرآن الكريم، حيث كان شعيب نبيًا مرسلًا إلى قوم مدين. كان قومه يعبدون شجرة ويشركون بالله، مما أدى إلى فساد أخلاقي واجتماعي في مجتمعهم. في هذه القصة، نتعرف على كيف دعا سيدنا شعيب قومه إلى عبادة الله وحده، محذرًا إياهم من الشرك وفساد أعمالهم. على الرغم من تعاليمه وحكمته، عصى قومه نبيهم، فما كان جزاؤهم؟ تابعوا معنا تفاصيل القصة ومعرفة الدروس المستفادة من دعوة هذا النبي الكريم.
القصة
في الزمن البعيد وفي بلاد الشام وبالتحديد في دولة الأردن، عاش قوم مدين عيشة المتجبرين المستكبرين. فقد كان أهل مدين لا يعبدون الله الذي خلقهم، بل أشركوا بالله وعبدوا شجرة من دون الله، فكانوا يأتون إليها ويعبدونها ويقدمون لها القرابين ظنًا منهم أنهم على صواب. ولم يكتفِ أهل مدين بشركهم بالله وكفرهم به، بل كانوا يبخسون الناس حقوقهم، فإذا اشتروا من الناس أخذوا حقهم كاملاً دون نقصان، بل قد يأخذون زيادة عن حقهم. وإذا باعوا للناس شيئًا سرقوهم في الكيل والموازين حتى اشتهروا بهذا الأمر بين الناس جميعًا.
كان من أهل مدين بعض العقول الذين يرفضون في أنفسهم ما يفعل قومهم، ولكنهم لم يستطيعوا أن يبوحوا بهذا أو يصرحوا به لأولئك الأشرار المفسدين. ولكنهم كانوا يتمنون أن يزول هذا الفساد من بينهم. وكان فرج الله تعالى أن أرسل من أهل مدين رجلًا صالحًا هو شعيب عليه السلام. ففرح هؤلاء العقلاء وآمنوا به، وبدأ شعيب عليه السلام يدعو قومه إلى مكارم الأخلاق ويذكرهم بنعم الله عليهم. فقد كانوا قلة فكثرهم الله، وكانوا فقراء فأغناهم الله تعالى. فالواجب عليهم الإيمان بالله وترك عبادة هذه الأشجار، وألا يظلموا الناس في الكيل والميزان، ولكنهم أصروا على كفرهم.
وبدأ قوم شعيب يستهزئون به، فقالوا له: “يا شعيب إنك تخلط بين الأمور، فإن صدقناك وآمنّا بإلهك فما علاقة هذا بالكيل والميزان؟ إنه لابد من فصل العبادة عن الحياة والدين عن الدنيا.” فرد عليهم شعيب عليه السلام قائلاً: “إن دين الله تعالى ينظم للإنسان حياته كما ينظم له عبادته، والذي أمر بالعبادة هو الذي أمر بالعدل ورفع الظلم.” ولم يعجب كلام شعيب قومه، فقد عجزوا عن أن يغلبوه في الحجة، فلجأوا إلى أسلوب آخر فقالوا: “يا شعيب أنت إنسان ضعيف بيننا فلا تظن أنك تقدر علينا، واعلم أنه لولا قومك ومن اتبعك لحفرنا لك حفرة ورجمناك فيها، فلست بعزيز عندنا.” ولكن شعيبًا عليه السلام كان حليمًا فقال لهم: “يا قوم لا تنظروا إلى رهطي وعشيرتي، ولكن انظروا إلى الله رب العالمين، فالله أعلم بما تعملون، وهو لا يخفى عليه شيء من أفعالكم.”
اغتاظ قوم شعيب من حلمه ورده المقنع، فهم لا يستطيعون أن يردوا كلامه. كانوا يسيئون إليه وهو حليم معهم. فكانوا يوقفون بعض الرجال منهم أمام بيت شعيب، فمن أراد أن يذهب إليه ليسمع منه ويؤمن به، يمنعونهم من الوصول إليه. فحذرهم شعيب عليه السلام من عقاب الله وعذابه من الصد عن سبيله، ولكنهم لم يأبهوا بما كان يقول لهم. وجلس قوم شعيب يفكرون في شيء يردون به شعيبًا وما يدعو إليه. وبتفكير عميق اقترح أحدهم أن يذهبوا لشعيب عليه السلام وأن يهددوه بالطرد من بلادهم إن لم يكف عن دعوته. وذهبوا إلى شعيب عليه السلام فوجدوا المؤمنين معه. فقالوا لهم: “اسمع يا شعيب، أنت ومن معك، إما أن تعودوا إلى ديانتنا أو نطردكم من أرضنا وديارنا.” فرد عليهم شعيب عليه السلام بأنهم من أرض واحدة ومن وطن واحد، وأنه يدعوهم خوفًا عليهم وشفقة بهم من عذاب الله، فلم يستطيعوا أن يقولوا له شيئًا.
مكث شعيب عليه السلام مع المؤمنين يفكر كيف يدعو قومه الذين صدوا عن سبيل الله، ثم ذهب إليهم هو والمؤمنون معه وقال لهم: “يا قومي وأهلي وعشيرتي، إني ما أفعل هذا طلبًا للدنيا، ولكن خوفًا عليكم من عذاب الله، وإن لم تصدقوني فانظروا إلى مصير الأمم التي كذبت دعوة الله، فتذكروا مصير قوم نوح وقوم هود وقوم صالح، وأقرب نموذج إليكم قوم لوط، تذكروا ما فعل الله بهم.” ولكن المشركين من قوم شعيب لم يستجيبوا لنصحه. وذهب جماعة من المؤمنين إلى قومهم من أهل مدين يذكرونهم بما قاله لهم شعيب عليه السلام، وأنه حريص عليهم، رحيم بهم، شفيق عليهم. ولكنهم لم يسمعوا كلامه، بل قاموا عليهم ضربًا وتعذيبًا حتى أبعدوهم عن مكانهم، وأحسوا بالاستياء مما يصنع شعيب والمؤمنون معه.
فكر أهل مدين في شيء يجعل الناس لا تؤمن بشعيب، فكل يوم يؤمن به بعض منهم. فأخذوا يطوفون بالشوارع والأسواق يكلمون الناس بأن شعيبًا ساحر يفرق بين الابن وأبيه وبين الزوجة وزوجها، وأنه يكذب عليهم، وأن كل ما يقوله هو من عند نفسه، وأنه يريد أن تكون له الزعامة لأنه سيحرمهم من الكسب الذي يكتسبونه إن استمعوا إلى كلامه. ولكن ما فعله قوم شعيب ما زاد الناس إلا حبًا في شعيب عليه السلام، فإنهم يعرفونه، فهو حسن الخلق، كريم الصفات، فتحادثوا فيما بينهم أن الكبراء والسادة يكرهون دعوة الله خوفًا على أموالهم وخوفًا على تجارتهم، فقد كان الفقراء يشعرون بالظلم والاضطهاد.
استاء أهل مدين من شعيب عليه السلام، وكرهوا التهديد بالعذاب، وذهبوا إلى شعيب عليه السلام وقالوا له: “يا شعيب، لا تهددنا ولا تخوفنا، إن كنت صادقًا فأنزل علينا عذاب الله وعقابه، فإن قدرت فأنزل علينا كسفًا من السماء.” فحذرهم شعيب عليه السلام من عاقبة قولهم، ولكنهم أصروا على قولهم، وأمر الله تعالى شعيبًا عليه السلام أن يخرج بالمؤمنين من هذه القرية لأن العذاب سيحل عليهم. ورحل شعيب والمؤمنون من أهل مدين حتى يكونوا بمأمن من عذاب الله، وما خرج معه إلا المؤمنون. وقد أنذرهم نبيهم عذاب الله وأنه واقع لا محالة، فمن أراد النجاة فليؤمن وليخرج، ولكن المشركين لم يقبلوا دعوته.
ابتلى الله أهل مدين بعد خروج شعيب عليه السلام والمؤمنين بحر شديد لا يروي ظمأهم الماء ولا تمنعهم ظلال البيوت والأشجار شدة الحر. ففروا هاربين، فرأوا سحابة في السماء فظنوا أنها مطر سينزل عليهم، ولكنها كانت صيحة من السماء زلزلت الأرض من تحت أقدامهم وأهلكتهم جميعًا. ونظر شعيب عليه السلام وهو حزين على قومه أنهم لم يؤمنوا بالله، ولكن هذه كانت عاقبة من لا يؤمن بالله تعالى.