قصص اسلامية

قصة سيدنا يوسف الصديق عليه السلام

قصة سيدنا يوسف الصديق عليه السلام

يعد سيدنا يوسف عليه السلام أحد أعظم الشخصيات في تاريخ الأنبياء، إذ تتجسد في قصته العديد من الدروس العميقة التي تبرز معاني الصبر، والصدق، والتوكل على الله تعالى. فقد تعرض يوسف عليه السلام في بداية حياته لعديد من الابتلاءات التي لم تهز إيمانه بالله، بل زادت من حكمته وصبره. تبدأ قصته من الحسد الذي كان يحيكه إخوته تجاهه بسبب محبة والده له، لتتوالى الأحداث وتكشف لنا دروسًا عظيمة في كيفية التفاعل مع الشدائد والتوكل على الله في كل أمر.

إن قصة يوسف عليه السلام ليست مجرد سرد تاريخي، بل هي ملهمة لكل من يواجه صعوبة أو ابتلاء في حياته، فهي قصة تحمل بين طياتها دروسًا في العفة، وحسن الظن بالله، وكيف يمكن أن يتحول الألم إلى نعمة عظيمة بفضل الصبر والإيمان.

القصة

رزق الله يعقوب من البنين اثني عشر ولداً، وكان أحب الأولاد لقلب يعقوب هو يوسف الصغير وأخوه. وذات مساء، رأى يوسف حلماً عجيباً، فلما استيقظ ذهب إلى أبيه وقال له: “يا أبتِ إني رأيت أحد عشر كوكباً والشمس والقمر، رأيتهم لي ساجدين”.

عرف يعقوب أن يوسف سيكون عظيماً، فنصحه بعدم إخبار إخوته بالحلم حتى لا يكيدوا له. وبشر يعقوب ابنه بأن الله سيعطيه النبوة والحكمة كما أعطاها لأجداده إبراهيم وإسحاق، ويعلمه تفسير الأحلام.

أحس إخوة يوسف بالغيظ وقرروا أن يتخلصوا منه. طلب الإخوة من أبيهم أن يدع يوسف عليه السلام يذهب معهم ليلعب، وافق يعقوب، وما إن ذهب الإخوة بيوسف حتى ألقوه في بئر بعد أن نزعت عنه قميصه ولطخوه بدم شاة، وعادوا إلى أبيهم في المساء يبكون وقالوا: “يا أبانا إنا ذهبنا نستبق وتركنا يوسف عند متاعنا فأكله الذئب، وهذا قميصه به آثار الدماء”. حزن يعقوب وقال لأولاده: “بل فعلتم بأخيكم أمراً، فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون”.

مرت قافلة بالقرب من البئر فوجدوا يوسف الصديق فيه، فأخذوه وباعوه في مصر. رآى وزير مصر يوسف في السوق فأعجب به واشتراه وأعاده إلى بيته. فرحت زوجته بالغلام لأنها لم ترزق بالأولاد، فقال لها الوزير: “أحسني إليه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولداً”.

مرت الأيام وكبر يوسف وصار شاباً رائع الجمال، فتعلقت به زوجة الوزير. وفي أحد الأيام عرضت عليه حبها، فتركها يوسف وحاول الفرار، فأمسكت بقميصه فانشق من الخلف. وفجأة دخل الوزير من باب الغرفة، اتهمت الزوجة يوسف بمحاولة الاعتداء عليها، أنكر يوسف هذه التهمة، وكان هناك طفل من أقارب زوجته موجوداً، فقال: “إن كان قميصه قد قطع من الأمام فهي صادقة، أما إن كان قميصه قد قطع من الخلف فهي كاذبة”. فظهرت براءة يوسف، لكن الحادثة شاعت في المدينة، وعرف الناس حب زوجة الوزير ليوسف. قررت زوجة الوزير أن تظهر للناس عذرها، فدعت نساء كبار رجال المدينة، وأحضرت لهن فاكهة وسكاكين وأمرت يوسف بالخروج عليهن، فلما رأينه لم يصدقن عيونهن وقطعن أيديهن بالسكاكين ولم يشعرن بالجراح.

فقالت الزوجة: “هذا الذي لممتني فيه وقد عرضت عليه حبي فرفض، وإن لم يسجن، قال سيدنا يوسف: “السجن أحب إلي من أن أعصي الله”.

قبل غياب الشمس، وضع يوسف عليه السلام في السجن، وكان معه في السجن فتيان، خباز الملك وساقيه، وكل منهما حلم حلماً. فقال الساقي: “رأيت نفسي أعصر عنباً ليسقي الملك”، أما الخباز فقال: “رأيت على رأسي خبزاً تأكل الطير منه”. قال يوسف للساقي: “إنك ستنجو من السجن وتعود لتسقي الملك من جديد، أما الخباز فسيموت وتأكل الطير من رأسه”. وقبل أن يخرج الساقي، طلب من الساقي أن يذكره عند الملك حيث إنه مسجون بلا ذنب، لكن الساقي نسي.

وبعد مرور عدة سنوات، رأى الملك حلماً لم يعرف أحد تفسيره. رأى سبع بقرات سمينة على شاطئ النهر قد أكلتهن سبع بقرات هزيلة، وسبع سنابل خضراء أكلتهن سبع سنابل يابسات. تذكر الساقي يوسف الصديق وكيف فسر حلمه، فطلب من الملك أن يسمح له بالذهاب للسجن وسؤال يوسف. فقال يوسف: “ستأتي سبع سنوات يكثر فيها الزرع، تتبعها سبع سنوات يعم فيها الجوع، ثم تأتي سنة رخاء يفيض فيها الخير على الأرض”.

أمر الملك بإخراج يوسف من السجن وجعله وزيراً على البلاد، وأمر يوسف بزراعة القمح والغلال طوال السبع سنوات الجيدة، وقام بادخار الغلال في مخازن لتحمي البلاد في أوقات الشدة. وبالفعل مرت سنوات الرخاء، وجاءت سنوات الشدة، وكان يوسف يوزع على الناس القمح والغلال. واشتد الجوع، فكان الناس يأتون من البلاد المجاورة ليأخذوا حاجتهم.

وذات يوم دخل أخوة يوسف عليه، فعرفهم ولم يعرفوه. فأكرمهم وأطعمهم، ولكنه طلب منهم أن يأتوا بأخيهم الصغير معهم ليعطهم ما طلبوا. وأمر يوسف خدمه أن يضعوا لأخوته بضاعتهم التي جاءوا بها ليبادلوا بالقمح في أوعيتهم. عاد الأخوة إلى أبيهم يعقوب وطلبوا منه أن يرسل معهم أخاهم الصغير، فوافق يعقوب بعد أن أداوا القسم له أن يحافظوا عليه.

ما إن رأى يوسف أخاه الصغير حتى أخذه إلى مكان بعيد وقال له: “أنا أخوك فلا تذكر ذلك لأخوتك”. ثم طلب من الخدم تزويد أخوته بالقمح، ودس يوسف في وعاء أخيه كأس الملك. وما إن تحرك أخوة يوسف حتى صاح بهم الجنود: “أنتم سارقون، سرقتم كأس الملك”. ففتشهم يوسف فوجد كأس الملك في وعاء أخيه.

عاد أخوة يوسف إلى أبيهم وقصوا عليه ما حدث. حزن يعقوب على ابنه وتذكر فقده ليوسف، وظل يبكي حتى فقد بصره. عاد أخوة يوسف إلى مصر مرة أخرى يرجون يوسف أن يطلق أخاهم، فقال لهم يوسف عليه السلام: “هل علمتم ماذا فعلتم بيوسف وأخيه؟” قالوا له: “إنك أنت يوسف!” قال: “أنا يوسف وهذا أخي قد من الله علينا، لا تخافوا، فلن أعاقبكم”. ثم أعطاهم قميصه وطلب منهم العودة لأبيهم، وأن يلقوا بقميصه على وجه أبيهم ليعود بصره. وطلب منهم أن يأتوا ليعيشوا في مصر. وبالفعل عاد الإخوة إلى يعقوب، وما إن وضعوا قميص يوسف عليه السلام على وجه يعقوب حتى عاد مبصراً. ورحل يعقوب وأهله إلى مصر، ودخلوا على يوسف وهو جالس على العرش، فانحنوا له تعظيماً لمكانته، وهكذا تحققت الرؤيا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى