قصص اسلامية

قصة نبي الله أيوب عليه السلام بتفاصيلها الكاملة

قصة نبي الله أيوب عليه السلام بتفاصيلها الكاملة

قصة نبي الله أيوب عليه السلام هي واحدة من أبرز القصص في القرآن الكريم، التي تحكي عن الصبر والثبات في مواجهة البلاء. عاش أيوب عليه السلام حياة مليئة بالنعيم، حيث كان من أغنى وأشرف الناس، لكن الله سبحانه وتعالى ابتلاه بفقدان كل شيء: المال، الصحة، والأبناء. ومع ذلك، ظل أيوب عليه السلام صابرًا، يشكر الله ويحمده على كل حال. من خلال هذه القصة العظيمة، نتعلم كيف يكون الصبر في الأوقات الصعبة وكيف يمكن للإنسان أن يكون مثالًا للتوكل على الله في كل الظروف.

القصة

كان في بلاد حوران نبي كريم اسمه أيوب عليه السلام. وكان الناس وما زالوا إلى يومنا هذا يضربون به المثل في الصبر والرضا بقضاء الله جل وعلا. كان أيوب عليه السلام رجلاً كثير المال، آتاه الله جملة عظيمة من الثروة، فقد أنعم الله عليه من سائر صنوف النعم، وفي مقدمتها الأراضي المتسعة الخصبة، وكانت له من الخيل ما يدهش الأبصار، كما كانت له أعداد وفيرة من الإبل والبقر والغنم وسائر الماشية. وقد كان لأيوب ألف شاة برعاتها، ناهيك بالعبيد الذين يقومون برعاية الأرض وخدمة الأنعام.

وكان أيوب عليه السلام بَرًّا تقيًّا رحيمًا، يحسن إلى المساكين، ويكفل الأيتام والأرامل، ويكرم الضيف، ويبلغ ابن السبيل، وكان شاكرًا لأنعم الله عليه، مؤديًا لحق الله عز وجل. وكان لأيوب عليه السلام أولاد وأهلون كثير. وكانت زوجه (ليا) ترفل في هذا النعيم، شاكرة عابدة عارفة حق الله على العباد في الشكر، فقد كانت تكثر الحمد والشكر والثناء على الله عز وجل، إذ رزقها من البنين والبنات ما تقر به عينها ولا تحزن، وأوسع عليها وعلى زوجها من الرزق شيئًا مباركًا، وفضلهما على كثير من خلقه.

كانت (ليا) تدرك أن سر بقاء النعمة هو شكر المنعم، فكانت دائمة الذكر والحمد، تؤدي إلى كل ذي حق حقه، فتواسي عباد الله وتبر بهم، وتحسن إليهم، وتستنير بذلك في ضوء إرشاد زوجها نبي الله أيوب عليه السلام. وفي يوم من الأيام جاءه أحد عبيده ليخبره أن ولدًا من أولاده قد مات، فصبر واحتسب، ثم مات ولد آخر بعد ذلك بأيام فصبر واحتسب، وظل أولاده يموتون الواحد تلو الآخر حتى مات كل أولاده. بل وفي نفس الوقت كانت المواشي والأغنام والخيل تموت أمامه حتى فنيت جميعًا وهو صابر محتسب، وابتلي في جسده بأنواع من البلاء، ولم يبق منه عضو سليم سوى قلبه ولسانه يذكر الله عز وجل بهما، وهو في ذلك كله صابر محتسب ذاكر لله عز وجل في ليله ونهاره، وصبحه ومسائه.

وطال مرضه وانقطع عنه الناس، ولم يبق أحد يحنو عليه سوى زوجته، كانت ترعى له حقه، وتعرف قديم إحسانه إليها، وشفقته عليها، فكانت تتردد إليه فتصلح من شأنه وتعينه على قضاء حاجته، وتقوم بمصلحته، وضعف حالها، وقل مالها، حتى كانت تخدم الناس بالأجر لتطعمه (رضي الله عنها وأرضاها)، وهي صابرة معه على ما حل بهما من فراق المال والولد، وما يختص بها من المصيبة بالزوج، وضيق ذات اليد، وخدمة الناس، بعد السعادة والنعمة، والخدمة والحرمة. ولم يزد هذا أيوب عليه السلام إلا صبرًا واحتسابًا وحمدًا وشكرًا حتى إن المثل ليضرب بصبره عليه السلام، ويضرب أيضًا بما حصل له من أنواع البلايا.

إنها نعمة الرضا

لقد امتلأ قلب أيوب عليه السلام رضا بقضاء الله ولم يتسخط لحظة واحدة، بل كان يستحي أن يسأل ربه الشفاء. حتى كان يُضرب به المثل في الصبر والرضا، فيقال: “صبر أيوب”. وأما ليا زوجته، فقد أشفقت عليه إشفاقًا شديدًا، فلما رأت أن زوجها أيوب قد طال عليه البلاء، ولم يزدد إلا شكرًا وتسليمًا، عندئذ تقدمت منه وقالت له: “يا أيوب، إنك رجل مجاب الدعوة، فادع الله أن يشفيك”. فقال: “كنا في النعماء سبعين سنة، فدعونا أن تكون في البلاء سبعين سنة”.

نعم العبد إنه أواب

وعلى الرغم من هذا البلاء الشديد الذي تعرض له نبي الله أيوب عليه السلام، إلا أن الله وجد قلبه راضيًا وصابرًا، لم يتسخط لحظة واحدة. فوصفه الله عز وجل بقوله:
“إنا وجدناه صابرًا نعم العبد إنه أواب”.

وقفة هامة

ولقد جاء في بعض المصادر الضعيفة أن أيوب عليه السلام ابتلي بمرض شديد كالجذام أو الجُدري أو سائر الأمراض المنفرة، مما جعل الناس ينفرون منه ويخشون العدوى. وأنه أُلقي على مزبلة خارج البلدة. وهذا كله كذب على نبي الله أيوب عليه السلام، وذلك لأن الله عز وجل لم يكن ليبتلي نبيًا من أنبيائه بمرض يبعد الناس عنه، لأن ذلك يحول بين هذا النبي وبين تبليغ دعوة الله عز وجل وتبليغ الشرائع والأحكام. فكل ما جاء بهذا الصدد إنما هو من الإسرائيليات الضعيفة التي تخالف ما جاء في القرآن وصحيح السنة المطهرة.

الزوجة الوفية

لقد طال المرض على سيدنا أيوب عليه السلام حتى رفضه القريب والبعيد، وانصرف عنه الناس، ولم يبق معه إلا زوجته الوفية الصابرة التي كانت ترعاه وتخفف عنه. حتى نفد مالها ولم تجد عملاً إلا أن تخدم الناس لتحصل على المال، لتشتري به طعامًا لزوجها المريض. وكان أيوب عليه السلام يزداد ألمًا وهو يرى زوجته وقد تبدل حالها من الغنى إلى الفقر، ومن النعيم والرخاء إلى العذاب وخدمة الغرباء.

وطالت سنوات المرض والبلاء على أيوب عليه السلام، وهو مازال على حاله يذكر الله ويشكره، ويصبر على قضائه. وكان الناس يعطفون على زوجته بعدما علموا ما حدث لزوجها أيوب عليه السلام. ولكنهم سرعان ما خافوا من مرضه، وظنوا أنه مرض معدٍ، وأن المرض سينتقل من أيوب إلى زوجته، وبالتالي سوف ينتقل إليهم. فخاف الناس منها ومنعوها من العمل لديهم.

وأخذت الزوجة الوفية تفكر كثيرًا: ماذا تصنع لتطعم زوجها المريض؟ فكرت كثيرًا حتى وصلت إلى حل في غاية الصعوبة، لكنه لا بد منه. أمسكت بضفائر شعرها، وقصتها، وذهبت لتبيعها إلى إحدى بنات الأشراف مقابل الكثير من الطعام والشراب. وعادت إلى زوجها وهي في قمة السعادة لأنها استطاعت أن تأتي إليه بالطعام.

سألها أيوب عليه السلام: “من أين لك هذا الطعام؟” فخافت زوجته أن يغضب إذا علم أنها باعت ضفيرة شعرها، فقالت له: “خدمت به بعض الناس”. وطالت سنوات البلاء على سيدنا أيوب عليه السلام، والمرض يزداد كل يوم. وهو مازال يعيش في الفقر والمرض والحرمان، وحيدًا بلا أهل ولا إخوان سوى زوجته المخلصة الوفية. ومع ذلك كان أيوب صابرًا شاكرًا راضيًا بقضاء الله.

حوار بين رجلين

ولكن الشيء الذي أدخل الحزن على قلب أيوب عليه السلام هو هذا الحوار الذي سمعه من رجلين من أقرب الناس إليه. فقد قال أحدهما للآخر: “لقد أذنب أيوب ذنبًا عظيمًا، وإلا لكشف عنه هذا البلاء”. فذكره الآخر لأيوب.

جاء الفرج الإلهي

لقد تفكر أحد الرجلين في حال أيوب، وامتداد بلائه. فقد مضى على البلاء الذي حل به ثماني عشرة سنة، ولم يكشف الله عنه ما أصابه به. وجال بخاطره أن هذا البلاء ربما كان بسبب ذنب عظيم ارتكبه أيوب. وأطلع هذا الرجل صاحبه على ما دار في خلده، فلم يصبر أن صارح أيوب بما قاله عنه صاحبه. فكان ذلك على أيوب أشد الألم، وكشف لهما من حاله ما ينفي تلك المقالة. فقد بلغ به الأمر في حال سلامته وعافيته أنه كان يرى الرجلين يتنازعان، فيذكران الله، فيرجع إلى منزله فيتصدق عنهما، كراهة أن يذكر الله إلا في حق.

أيوب عليه السلام يقسم أن يضرب زوجته

هكذا ظل أيوب عليه السلام في بلائه، وظلت زوجته تبيع ضفائر شعرها بعد أن رفض الناس أن يعملوا معها. وفي يوم من الأيام، ذهبت لتبيع ضفيرة شعر أخرى، وعادت بالطعام والشراب لزوجها. فأصر أيوب عليه السلام أن يعرف من أين تأتي زوجته بهذا الطعام، وأقسم ألا يأكل حتى تخبره بذلك. وأقسم أنه إذا شفاه الله، سيضربها مائة ضربة. فما كان من الزوجة الوفية إلا أن أخبرته بالحقيقة، بل وكشفت عن رأسها الذي أصبح محلوقًا، فحزن أيوب لذلك حزنًا شديدًا وأدرك في تلك اللحظة أن هذه الزوجة الوفية قد ضحت بكل شيء من أجله. فتألم لذلك ألمًا شديدًا، وكان الشقاء قد أصابهم بإذن الله (جل وعلا).

هنالك، توجه أيوب عليه السلام إلى ربه بالدعاء، طالبًا منه كشف البلاء، فقال:

(وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ)
(أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِالنُّصْبِ وَعَذَابٍ)

واستجاب الله دعاءه، وكشف عنه بلاءه. فالله عز وجل قادر على كل شيء، وإذا شاء شيئًا كان، لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء.

جاء الفرج الإلهي .. وجاءت الوصفة الطبية الربانية لأيوب

أما صفة هذه الوصفة الربانية فقد وردت في القرآن الكريم في قوله عز وجل:

(ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَٰذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ)

كان الدواء كما نرى بسيطًا، هينًا لينًا. أمر الله أيوب أن يضرب برجله الأرض، فامتثل أيوب أمر ربه، ومس الأرض. فنبع منها الماء نقيًا عذبًا فراتًا سائغًا، فشرب منه فبرأ ما كان في باطنه من داء ووجع، واغتسل فبرأ من ظاهره تمامًا. ما كان يرسل الماء على عضو إلا وعاد في الحال أفضل مما كان عليه قبل المرض، بإذن الله تعالى.

بدأت الصحة تدب في جسد أيوب، وبدأ السقم يزول فورًا، وتماشى الشفاء في مفاصله وأوصاله. طردت الأسقام من بدنه، ولم يعد يشعر بأي ألم داخلي أو خارجي. الله أكبر، ما أعظم هذا الدواء!

عودة العافية والبركة لأيوب عليه السلام

وكان من عادة نبي الله أيوب عليه السلام أنه إذا خرج ليقضي حاجته، جاءت زوجته لتساعده. كانت تمسك بيده لضعف بدنه، فإذا أوصلته إلى المكان المقصود، تركته حتى يقضي حاجته، ثم تعود إليه لتساعده على العودة إلى مكان إقامته. ولكن في ذلك اليوم الذي دعا فيه أيوب ربه، أبطأ عليها. فقد أوحى الله إليه أن يضرب برجله الضعيفة الأرض، فانبثق الماء من موضع ضربته. فأمره الله أن يشرب من هذا الماء ويغتسل منه، فشرب منه فبرأ ما كان في باطنه من داء وأوجاع، واغتسل فشفي تمامًا من أمراضه في ظاهره وباطنه، وعادت إليه الحيوية والنشاط في الحال، كما عاد إليه صحته وعافيته وكأن المرض لم يكن.

عندما عاد إلى زوجته، كان مليئًا بالحيوية والنشاط، كما كان قبل أن يصيبه المرض. فلما رأته، لم تعرفه في البداية، على الرغم من أنها رأت في ملامحه شبهًا من زوجها في أيامه الصحية. سألته عن حاله، وأخبرته بما لاحظته من شبهه بالزوج الذي كان قبل المرض. لم تكن تتوقع أن يستعيد عافيته بهذه السرعة في هذه الفترة القصيرة التي غاب فيها عنها. وكم كان فرحها وسرورها عظيمًا عندما رأت نعمة الله عليه في استعادة صحته وعافيته.

رد الله عليه عافيته ورزقه

وكما استعاد أيوب عليه السلام عافيته، كذلك رد الله عليه ضعفي المال الذي فقده، ورزقه ضعف ما كان لديه من الأولاد. فقد أرسل الله سحابتين، لا تحملان مطرًا بل ذهبًا وفضة. كانت لأيوب بيدرٌ يحتوي على القمح وآخر يحتوي على الشعير، فأفرغت السحابة الأولى الذهب في بيدر القمح، وأفرغت السحابة الثانية الفضة في بيدر الشعير، مما أعاد له ثروته بضعف ما كانت عليه.

خفة ظل أيوب عليه السلام

كان أيوب عليه السلام خفيف الظل، ندي الروح، وكان فيه دعابة صادقة. فقد أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث رواه البخاري والنسايى عن أبي هريرة قال: “بينما كان أيوب يغتسل عريانا، خر عليه رجل من جراد من ذهب، فجعل يحثي في ثوبه، فناداه ربه: يا أيوب، ألم أغنك عما ترى؟” فقال أيوب: “بلى يا رب، ولكن لا غنى لي عن بركتك”.

ولعلك تخيلت منظر أيوب، وهو يثب عريانًا، يجمع ذلك الجراد ويحثيه في ثوبه، ويناديه ربه، “ألم أغنك عما ترى؟” أي: بما أفاضته السحابتان من الذهب والفضة في بيدريه، ويأتي الجواب: “لا غنى لي عن بركتك يا رب.” ومن يتقِ الله يجعل له مخرجًا. وكان أيوب عليه السلام قد غضب على زوجته في مرضه، فنذر إن شفاه الله أن يضربها مائة ضربة، وعز عليه بعد شفائه أن يكون جزاؤها منه على صبرها ورعايتها الضرب والجلد، وشق عليه أن لا يفي لربه بنذره، فجعل الله له فرجًا ومخرجًا، إذ أمره أن يأخذ حزمة من قش القمح أو الشعير، فيضربها بها ضربة واحدة، فيكون قد وفى بنذره، ولم يضر زوجته. قال تعالى لأيوب:

(وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ).

الدروس المستفادة من القصة:

  1. أن العبد المؤمن لابد أن يشكر الله على نعمه: والشكر لا يكون باللسان فقط بل يكون بالقلب واللسان والجوارح، وذلك بأن يعبد الله وبأن يستخدم هذه النعمة في طاعة الله جل وعلا.
  2. أن نعم الدنيا ومتاعها لا يدوم بل قد يزول في لحظة واحدة: أما النعيم المقيم الذي لا يزول فهو نعيم الجنة، ولذلك يجب علينا أن نحرص على كل عمل يقربنا إلى الجنة ويباعدنا عن النار.
  3. أن المسلم لابد أن يحمد الله في السراء والضراء وأن يكون راضيًا بقضاء الله إذا نزل به البلاء: ولابد أن يعلم أن الله عز وجل يعطي الصابرين عطاء بغير حساب، فقد قال تعالى:

    (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ).

  4. أن الزوجة الوفية هي التي تعيش مع زوجها في السراء والضراء وهي التي تكون في عونه إذا ضاق به الحال: ها نحن نرى مثالًا رائعًا لوفاء الزوجة لزوجها في قصة زوجة أيوب عليه السلام، وكذلك في قصة أمنا خديجة رضي الله عنها مع النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
  5. إذا اشتد البلاء فقد اقترب الفرج، وأشد ساعات الليل سوادًا ما يعقبها طلوع الفجر:

    (فَإِنَّ مَعَ العُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ العُسْرِ يُسْرًا) ولن يغلب عسر يسرين.

  6. أن الله عز وجل يعوض العبد خيرًا مما أخذ منه ويلطف به ويرزقه من حيث لا يحتسب إذا صبر العبد واحتسب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى