قصة نبي الله إدريس عليه السلام: الحكمة والصبر في حياة النبي
قصة نبي الله إدريس عليه السلام: الحكمة والصبر في حياة النبي
نبي الله إدريس عليه السلام هو أحد الأنبياء الذين ذكرهم القرآن الكريم، وقد اشتهر بالحكمة والصبر في دعوته. كان إدريس عليه السلام من الأنبياء الأوائل الذين جاؤوا برسالة الله، وقد علم الناس الكثير من العلوم مثل الكتابة والفلك والحساب. لكن أهم ما يميز نبي الله إدريس عليه السلام هو تكريمه من الله، حيث رفعه إلى السماء بفضل إيمانه وطاعته لله. في هذه القصة، سنتعرف على حياته، معجزاته، والرسائل التي يمكننا استخلاصها من قصته العطرة.
القصة
فإنه لما اقترب أجل أبينا آدم عليه السلام وأوشك على الموت، جاء بابنه (شيث) وعلمه علمًا كثيرًا، ثم مات آدم عليه السلام.
وأنزل الله عز وجل بعد ذلك على شيث خمسين صحيفة فيها تعاليم الله إلى أهل الأرض يدعوهم فيها لعبادته وحده لا شريك له ويحذرهم من الوقوع في الشرك والكفر.
وعاش (شيث) وسط أولاده يُعلمهم الإيمان، فلما أوشك على الموت، واقترب موعد وفاته، أوصى إلى ولده (انوش) فقام بدعوة قومه كما كان يفعل أبوه. ثم علم ولده (قينن) من بعده كيف يدعو الناس إلى الله.
وجاء الولد الرابع وهو (مهلايل) فكان ملكًا مؤمنًا، حارب أهل الشرك من أبناء قابيل، ثم علم ولده (يرد) الذي صار يدعو الناس للإيمان والعمل الصالح.
وحضرت الوفاة (يرد) فأحضر ولده (إدريس) وكان صالحًا، عابدًا، زاهدًا، عالمًا، ففهم من أبيه ما أراد.
وكان إدريس يقرأ كل يوم في الصحف التي أنزلها الله على شيث حتى لا ينساها… وكان عابدًا لله لا ينقطع أبدًا عن عبادته وشكره لله جل وعلا.
ولذلك أكرمه الله بالنبوة بعد آدم وشيث عليهما السلام، فهو أحد الرسل الكرام الذين أخبر الله عز وجل عنهم في كتابه العزيز. قال تعالى:
وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا (56) وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا (57)
فقد كان صديقًا نبيًا وكان من الصابرين.. وهو أبو جد نوح عليه السلام. أنزل الله عليه ثلاثين صحيفة فكان يدعو الناس إلى وحدانية الله فآمن معه ألف إنسان. ولقد أدرك إدريس من حياة آدم عليه السلام ثلاثمائة وثمان سنوات لأن آدم عليه السلام عاش طويلاً ما يقرب من ألف سنة.
ولد إدريس عليه السلام ببابل ولما تعلم العلم وكان في بداية أمره يعلم الناس تلك الصحف التي أنزلت على شيث عليه السلام. فلما آتاه الله النبوة وأنزل عليه ثلاثين صحيفة كان يدعو بها إلى وحدانية الله جل وعلا.
وخرج يطوف البلدان ليدعو الناس جميعًا إلى توحيد الله جل وعلا حتى وصل إلى أرض مصر وأقام هناك بمصر هو ومن معه من المؤمنين وظل يدعو الناس إلى التوحيد وإلى مكارم الأخلاق.
وكان إدريس عالمًا، فكان أول من كتب بالقلم، وهو أول من خيط الثياب وحاكها، وأول من تعلم مواقع النجوم وعلمها للناس، كما تعلم الفلك والحساب والحكمة.
وكان (إدريس) يطوف الأرض، ويدخل في البلاد كلها، يدعو الناس إلى عبادة الله وحده لا شريك له، ويعلمهم العلوم النافعة التي تعلمها، كالفلك، والحساب، والخياطة، والكتابة.
وكان إدريس عليه السلام لا يغرز إبرة إلا قال: “سبحان الله”، فكان يمسي حين يمسي وليس في الأرض أحد أفضل منه عملًا.
وكان إذا نسي ذكر الله أثناء خياطته للثوب، يعود مرة أخرى فيقطع ما قد خيطه ويعيد خياطته مرة أخرى، ويذكر الله تعالى من جديد.
ولما كان إدريس على هذه الدرجة العالية من العلم والعبادة، فقد أحبه الناس في كل البلاد، وحاول كل شعب من الشعوب أن ينسبه إلى دولته.
فالمصريون يسمون إدريس “هرمس الهرامسة”، ويقولون إنه وُلِد في منف عاصمة مصر الفرعونية، ويقولون أيضًا إنه طاف البلاد ثم عاد إلى مصر مرة أخرى.
واليهود يسمون إدريس (أخنوخ) ويقولون إنه نبي من الأنبياء كان كثير العبادة، وكان الله تعالى يحبه، ولذلك رفعه إلى السماء.
وأهل اليونان يسمون إدريس (أورين الثالث) ويجعلونه حكيمًا من الحكماء عندهم، وهذا دليل على أن إدريس عليه السلام كان رجلًا محبوبًا من كل الناس في الأرض، لأنه علمهم العلوم النافعة، كما علمهم كيف يعبدون الله، ويصلون له.
والمسلمون يحبون إدريس عليه السلام، لأن الله تعالى أخبرنا أنه كان صديقًا نبيًا، وقد رآه النبي صلى الله عليه وسلم في السماء الرابعة في رحلة الإسراء والمعراج.
وقد كانت الملائكة تحب إدريس عليه السلام، فقد كان كثير القراءة لكلام الله تعالى الذي أنزله في صحف (شيث).
عانى في سبيل دعوته وتحمل الأذى وصبر كسائر الأنبياء صلوات ربي وسلامه عليهم. ولذلك أثنى الله عليه فقال تعالى:
“وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ وَأَدْخَلْنَاهُمْ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُمْ مِنَ الصَّالِحِينَ”.
ولهذا كان مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين…
فقد قال تعالى:
وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا (56) وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا (57) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا.
وكان إدريس في مصر محببًا إلى أهلها فأطاعه ملك مصر وآمن به، فنظر إدريس في أمور المصريين، فصعد إلى أول منابع النيل، وعلم المصريين كيف يقيسون الأراضي، وعلمهم ما يفعلون أيام زيادة الماء وهو الفيضان، وما يفعلون أيام نقصان الماء، كما علمهم الزراعة الصحيحة، وعلمهم كيفية ري الأراضي وسقيها.
وهذا معناه أن إدريس عليه السلام جمع بين الحكم، والنبوة، والحكمة، والعلم.
وهو أول من رسم قواعد إنشاء المدن، فلقد أنشئت في زمانه مائة وثمان وثمانون مدينة.
وهكذا عاش إدريس عليه السلام يطوف البلدان ويعلم الدنيا علوم الدين والدنيا، ويحضهم على عبادة الله ووحدانيته.
وقبل موته أخذ يُعلم ابنه الإيمان والتوحيد والعبادة الصحيحة وعلمه كافة العلوم النافعة التي تعلمها من قبل.
ثم مات إدريس عليه السلام بعد أن رفعه الله مكانًا عليًا.
فكيف رفعه الله مكانًا عليًا… فتعالوا بنا لتعرفوا كيف كان ذلك.
أوحى الله إلى إدريس بأنه يرفع له كل يوم مثل جميع أعمال بني آدم الذين يعيشون في زمانه.
فجاء إلى إدريس عليه السلام خليل له من الملائكة، فقال له إدريس: “إن الله أوحى إلي بكذا وكذا فأريد أن أعيش طويلاً حتى تكثر أعمالي الصالحة التي تُرفع إلى الله.”
فأخذه الملك وحمله بين جناحيه ثم صعد به إلى السماء.
فلما كان في السماء الرابعة قابله ملك الموت وكان نازلًا إلى الأرض، فكلم هذا الملك المقرب إلى إدريس ملك الموت في أن إدريس يريد أن يعيش أكثر من ذلك ليزداد عمله الصالح.
فقال له ملك الموت: “وأين إدريس؟”
فقال الملك: “ها هو الآن على ظهري.”
فقال ملك الموت: “يا للعجب، لقد أمرني الله الآن بقبض روح إدريس في السماء الرابعة، فجعلت أقول في نفسي: كيف أقبض روحه الآن في السماء الرابعة وهو الآن في الأرض.”
فقام ملك الموت وقبض روح إدريس عليه السلام في السماء الرابعة، فذاك هو قوله تعالى:
“وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا”.
الدروس المستفادة من القصة:
- أن الآباء لا بد أن يحرصوا على غرس العقيدة والأخلاق في نفوس أبنائهم: فقد رأينا كيف أن آدم عليه السلام كان حريصًا على تعليم أبنائه علوم الدين والدنيا… وكذلك فعل أبناؤه بأبنائهم. وهكذا فعل إدريس عليه السلام.
قال تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ.”
وقال رسولنا الكريم: “كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته.” - أن المسلم لا ينشغل بعلوم الدين فقط بل عليه أن يكون حريصًا على تعلم علوم الدين والدنيا لينفع المسلمين من حوله: كما فعل نبي الله إدريس عليه السلام، فقد كان يطوف البلدان يعلمهم علوم الدين والدنيا.
- أن المسلم لا بد أن يحرص على صحبة أهل العلم ليتعلم منهم الخير كله في دينه ودنياه.
- أن المسلم لا بد أن يحب الخير لكل من حوله: فلقد رأينا كيف أن إدريس عليه السلام كان حريصًا على تعليم الناس كل ما ينفعهم في أمور دينهم ودنياهم ليعيشوا في سعادة في دنياهم وآخرتهم.
- أن المكانة العالية لا تكون إلا لأهل الإيمان والتقوى: فقد رأينا كيف رفع الله إدريس إلى السماء الرابعة ليقبض روحه هنالك. ولذلك فمن أراد المنزلة العليا من الجنة فعليه أن يكون في المنزلة العليا في العبادة والدعوة إلى الله.
- أن الإنسان لا يستطيع أن يفر من الموت: قوله تعالى: “أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة.”
فقد صعد الملك بإدريس ليكلم ملك الموت في أن إدريس يريد أن يعيش أكثر، وإذا بملك الموت يخبره بأن الله قد أمره أن يقبض روحه الآن في السماء الرابعة.
ولذلك فالمسلم لا بد أن يكون على استعداد دائم للقاء الله (جل وعلا) وذلك بأن يكثر من الأعمال الصالحة ويبتعد عن الذنوب والمعاصي، وإذا وقع في أي معصية فعليه أن يسرع إلى التوبة ليتوب الله عليه.
الخاتمة:
قصة نبي الله إدريس عليه السلام تحمل لنا دروسًا عظيمة في الإيمان والصبر والعلم، وهي تبرز كيف أن الله رفع هذا النبي الكريم مكانًا عاليًا بفضل عبادته وعلمه ودعوته إلى الله. علينا أن نقتدي بإدريس عليه السلام في محبة الخير للآخرين، وفي نشر العلم النافع، وفي الدعوة إلى الله وحسن العبادة. فكما رفع الله إدريس مكانًا عليًا، فلنرفع أعمالنا الصالحة وقلوبنا بالإيمان والطاعة لله تعالى ليكرمنا في الدنيا والآخرة.