قصص الأنبياء عليهم السلام: دروس وعبر من حياة الأنبياء
![قصص الأنبياء عليهم السلام: دروس وعبر من حياة الأنبياء](https://www.stories-library.com/wp-content/uploads/2024/12/قصص-الأنبياء-عليهم-السلام-دروس-وعبر-من-حياة-الأنبياء-780x400.jpg)
قصص الأنبياء عليهم السلام: دروس وعبر من حياة الأنبياء
الأنبياء عليهم السلام هم سفراء الله إلى البشر، حملوا رسالاته وهدايته للعالمين. من خلال قصصهم التي وردت في القرآن الكريم والسنة النبوية، نتعرف على حياتهم وتضحياتهم وكيفية تعاملهم مع مختلف التحديات. هذه القصص لا تقتصر على كونها مجرد أحداث تاريخية، بل هي دروس إيمانية وأخلاقية تضيء لنا الطريق في حياتنا اليومية. في هذا المقال، سنأخذك في رحلة عبر بعض من أشهر قصص الأنبياء عليهم السلام، لنتعلم منها كيف واجهوا المحن وتغلبوا على الصعاب، وكيف يمكن أن تكون هذه القصص مصدرًا للإلهام والهداية في حياتنا.
قصة آدم عليه السلام: من قصص الأنبياء
في زمان قديم جدًا جدًا كان الله وحده ولا شيء معه، وشاء الله أن يخلق الكون الذي نعيش فيه، فخلق السماوات والأرض. وزين الله السماوات بالكواكب والنجوم والشمس والقمر، وخلق الله الأرض التي تعيشون عليها الآن، وعلى الأرض خلق الله الأنهار والبحار، وأنبتت الأرض بالعشب والأشجار، وارتفعت الجبال على سطح الأرض، ثم خلق الله الكائنات الحية من أسماك في البحار والأنهار وطيور في السماء وحيوانات على الأرض. خلق الله كل الكون في ستة أيام.
جمع الله الملائكة وقال لهم: “إني سأخلق إنسانًا يكون خليفة لي في الأرض ليعبدني وليعمر الأرض”. فقالت الملائكة: “أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك؟” قال الله: “إني أعلم ما لا تعلمون”. فخلق الله أول إنسان آدم عليه السلام من التراب والطين، خلقه الله في أحسن صورة ونفخ فيه من روحه، وعلم الله آدم أسماء كل شيء في هذا الكون، من كواكب ونجوم وطيور وأشجار وجبال وأنهار. ثم عرض الله على الملائكة العديد مما خلق وقال: “أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين”. قالوا: “سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم”. أمر الله الملائكة أن تسجد لآدم، فسجدت الملائكة إلا إبليس، أبى أن يسجد. فقال الله له: “ما منعك أن تسجد إذ أمرتك؟” قال إبليس: “أنا خير منه، خلقتني من نار وخلقته من طين”. غضب الله على إبليس وطرده من الجنة. فطلب إبليس من الله أن يتركه حيًا إلى يوم القيامة لأنه سيغوي آدم وذريته. فقال الله: “إنك ستعيش حتى يوم القيامة، ولكني ميزت آدم وذريته بالعقل، فمن تبعك منهم فلا يلوم إلا نفسه، ومن لم يتبعك دخل الجنة”.
خلق الله لآدم زوجة هي حواء، وأسكن الله آدم وحواء في الجنة وقال لهما: “كلوا من شجر الجنة ما عدا شجرة واحدة، وحذرهما الله من إبليس فقال لهما: إنه عدو لكما ولزوجك فلا يخرجنكما من الجنة فتشقا. إن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى ولا تظما فيها ولا تضحى”. وعاش آدم وحواء في الجنة في سعادة وهناء، دخل إبليس الجنة وراح يوسوس لآدم، فقال له: “هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى؟” فتركه آدم، فأسرع إبليس ليكمل وسوسته فقال: “لم ينهاكما الله عن تلك الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين”. فأقسم إبليس له بالله: “إني لكما من الناصحين”. قال آدم وحواء: “لا يمكن أن يحلف أحد بالله وهو كاذب، فلابد أنه صادق”. فاكلا من الشجرة، فبدت لهما عوراتهما، فأخذَا يقطعان أوراقًا من شجر الجنة ليسترا بها جسديهما. ووسط هدوء الجنة قال الله لآدم وحواء: “ألم أنهكما عن تلك الشجرة وأقول لكما: إن الشيطان لكم عدو مبين؟”
قال آدم وحواء: “ربنا ظلمنا أنفسنا، وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين”. قبل الله توبة آدم وحواء وغفر لهما وأمر أن يخرجا من الجنة وأن يهبطا إلى الأرض ليعيشا فيها وليعمرا الأرض. وأمرهما الله أن يعلما أولادهما ألا يعصوا الله. هبط آدم وحواء معهما الشيطان إلى الأرض، وهكذا بدأت قصة البشرية.
قصة إبراهيم عليه السلام
منذ زمن بعيد جدًا، كان أهل بابل في العراق يعيشون في رغد ونعيم، ولكنهم كانوا يتخبطون في ظلمات الضلال والكفر، فقد نحتوا بأيديهم الأصنام واتخذوها من دون الله آلهة، وعكفوا على عبادتها، بينما فئة ثانية عبدت الكواكب والنجوم والشمس والقمر، وثالثة كانت تعبد ملك البلاد، وكان ملكًا ظالمًا مُستبدًا ادعى الألوهية ودعا قومه إلى عبادته. وكان يعيش في بابل رجل يُدعى آزر، وكان أشهر رجل في بابل كلها لأنه كان أمهر صانع لتماثيل الآلهة في هذا الوقت، يصنع بيده من الحجارة والخشب الأصنام ويبيعها للناس. ويشاء الله أن يولد من قلب الكفر نور الإيمان، فكان هذا الرجل أبًا لإبراهيم عليه السلام.
نظر إبراهيم إلى السماء فرأى كوكبًا، فقال: “هذا ربي”. فلما أفَل قال: “لا أحب الآفلين”. فلما رأى القمر بازغًا قال: “هذا ربي”. فلما أفَل قال: “لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين”. وفي الصباح ظهرت الشمس، فقال إبراهيم: “هذا ربي.. هذا أكبر”. ولكن بعد قليل غربت الشمس، فقال إبراهيم: “إن الله أكبر من كل ذلك، أكبر من الأصنام والكواكب ومن كل شيء. هو الذي خلق السماوات والأرض، وهو موجود في كل مكان”.
عاد إبراهيم إلى داره فوجد أباه يسجد للأصنام، فقرر إبراهيم أن يدعو أباه لعبادة الله الواحد. فأخذ يبين له بطلان عبادة الأصنام التي لا تضر ولا تنفع، وأعلمه بأن الله قد منحه العلم النافع، كما أعلمه أنه يدعوه إلى الخير في الدنيا والآخرة، وبين له أنه بعبادته للأصنام يكون حليفًا للشيطان. عندئذ ثار والده وهدده بالقتل إذا لم يتوقف عن دعوته، ولم يكتفِ بذلك بل طرده من البيت. فقال إبراهيم إنه سيطلب من الله أن يغفر له.
قرر إبراهيم أن يدعو قومه لعبادة الله، فذهب إلى المعبد الكبير حيث يصلي قومه هناك وقال لهم: “إن هذه الأصنام ليست آلهة وإنها لا تضر ولا تنفع”. فكان رد قومه: “إن هذه الأصنام دين آبائنا وأجدادنا”. فقال لهم إبراهيم: “إن الله الواحد هو الذي يجب أن تعبدوه، فهو الخالق وهو الرزاق”. ولكن رفض قومه أن يتبعوه، فتوعَّدهم إبراهيم أن يكيد لأصنامهم. فتركوها ليحتفلوا بعيدهم.
ولما أصبح المعبد خاليًا جاء إبراهيم بفأس كبيرة، وراح يهوي على الأصنام يكسرها ويحطمها حتى تحولت الأصنام إلى قطع صغيرة من الحجارة والأخشاب المهشمة، إلا كبير هذه الأصنام فقد أبقى عليه وعلق الفأس في عنقه. عاد قوم إبراهيم إلى المعبد، فكانت دهشتهم كبيرة لما حدث للأصنام، وأخذوا يتساءلون: “من فعل هذه الفعلة؟”. عندئذ تذكروا أنهم سمعوا إبراهيم يتوعدهم بأن يكيد لآلهتهم بعد انصرافهم عنها.
فأحضروا إبراهيم وسألوه: “أنت فعلت هذا بآلهتنا؟”. فأشار إبراهيم بتهكم ناحية الصنم الكبير وقال: “بل فعله كبيرهم هذا، فاسألوهم إن كانوا ينطقون!”. فقال قومه: “قد علمت يا إبراهيم أن هذه الأصنام التي نعبدها لا تنطق، فكيف تطلب منا أن نسألها؟”. فقال إبراهيم: “فكيف تعبدون آلهة لا تتكلم ولا تقدر أن تدافع عن نفسها؟”. فقرر قومه أن يعدموه، فقاموا بتكبيله وأخذوه ليحرقوه.
وجاء الناس ليشهدوا عقاب إبراهيم، وحفر له قومه حفرة عميقة ملأوها بالحطب والخشب وأشعلوا فيها النار. فاشتعلت النار وتلتهب وعلا لها شرر عظيم لم ير مثله، وتصاعد اللهب إلى السماء. وكان الناس يقفون بعيدًا من فرط الحرارة الملتهبة. ثم وضعوا إبراهيم في كفة المنجنيق مقيدًا مكتوفًا وألقوه في وسط النار. وقع إبراهيم فيها، ولكن كانت هناك مفاجأة! أصدر الله الأمر للنار ألا تمس إبراهيم بسوء، فكانت دهشة قومه لما رأوه يصلي في وسط النار، ثم ما لبث أن خرج إبراهيم من النار سالمًا معافى.
ذهب إبراهيم إلى الملك الظالم يدعوه لعبادة الله، فقال الملك لإبراهيم: “أخبرني عن الإله الذي تعبده وتدعو إليه، ما هو؟”. فرد إبراهيم: “ربي الذي يحيي ويميت”. فقال الملك: “أنا أحيي وأميت، أستطيع أن أقتل رجلًا وأعفو عن آخر، وبذلك أكون قادرًا على الحياة والموت”. فقال إبراهيم: “إن الله يأتي بالشمس من المشرق، فهل تستطيع أن تأتي بها من المغرب؟”. صمت الملك وعجز عن الرد على إبراهيم، فصرف إبراهيم من قصر الملك بعد أن بهت الذي كفر.
أصر قوم إبراهيم على الكفر ولم يؤمن به إلا نفر قليل منهم، وحين أدرك إبراهيم أن أحدًا لن يؤمن بدعوته، قرر الهجرة. فهاجر إبراهيم مع زوجته السيدة سارة وابن أخيه لوط إلى أرض الشام وفلسطين ومصر، وفي مصر تزوج من السيدة هاجر، وطوال هذا الوقت كان يدعو الناس إلى عبادة الله. لذلك وهبه الله الأولاد الصالحين إسماعيل وإسحاق، وجعل في ذريته النبوة والكتاب.
سافر إبراهيم وولده إسماعيل وزوجته هاجر إلى قلب الصحراء، وهناك ترك هاجر وإسماعيل في وادٍ بناءً على أوامر الله، وقد عاش إسماعيل وهاجر في هذا المكان، وتجمع حولهم الناس. ثم أمر الله إبراهيم ببناء البيت الحرام، الكعبة المشرفة، فسار إبراهيم إلى مكة المكرمة، وتعاون هو وإسماعيل على بناء الكعبة لتكون أول بيت لله في الأرض.
قصة اليسع عليه السلام
كان هناك نبي من أنبياء الله عز وجل اسمه اليسع عليه السلام، آتاه الله النبوة بعد نبي الله إلياس عليه السلام. قال تعالى: “وإسماعيل واليسع ويونس ولوط وكلاً فضلنا على العالمين”.
قام نبي الله اليسع عليه السلام بدعوة الناس من حوله إلى الإيمان والتوحيد وعبادة الله جل وعلا. وكان ذلك بعد موت نبي الله إلياس عليه السلام.
لقد كثرت في زمانه الأحداث والخطايا، وكثر الملوك الجبابرة، فقتلوا من قتلوا من الأنبياء وشردوا المؤمنين. فأخذ اليسع عليه السلام يعظهم ويخوفهم من عذاب الله جل وعلا، لكنهم لم يستجيبوا لدعوته.
وتمر الأيام ويموت نبي الله اليسع عليه السلام. فسَلَّط الله عز وجل على بني إسرائيل من يسومهم سوء العذاب جزاءً على ما فعلوه.
ولقد أثنى الله جل وعلا على نبي الله اليسع فقال تعالى: “واذكر إسماعيل واليسع وذا الكفل وكل من الأخيار”.
قصة نوح عليه السلام
عاش آدم وحواء في الأرض، وأنجبا الكثير من الأبناء، وبدأ الناس يكثرون على سطح الأرض. ولكن بمرور الزمن، أخطأ الناس كثيراً وابتعدوا عن الله، فعبدوا الشمس والقمر والنجوم والكواكب، وصنعوا بأيديهم أصناماً من الحجارة، عبدوها وسجدوا لها، واعتقدوا أن هذه الأصنام تنفع وتضر.
اختار الله من الناس رجلاً واحداً هو نوح لكي يكون رسولاً للناس ليرشدهم لعبادة الله. قال نوح لقومه: اتركوا عبادة الأصنام وارجعوا لعبادة الله خالق كل شيء، لكن قومه رفضوا أن يسمعوا لكلامه. لم يؤمن بنوح إلا القليل من قومه، أما الباقي فرفضوا أن يتركوا عبادة الأصنام.
قال الله لنوح أن لا يحزن من قومه، وأنه سيهلك الكفار جميعاً بطوفان عظيم يغرق الجميع. وأمره الله أن يصنع سفينة عظيمة جداً، وعلمه كيف يصنع السفينة، فأخذ نوح عليه السلام يصنع السفينة، وكلما مر عليه قومه كانوا يضحكون ويستهزئون منه.
انتهى نوح من بناء السفينة، وطلب الله منه أن يدخل هو وعائلته والذين آمنوا معه، ويأخذ معهم من كل نوع من أنواع الكائنات ذكراً وأنثى من الحيوانات والطيور والزواحف والحشرات. كما أمره الله بأن يأخذ معه طعاماً وشراباً له ولكل المخلوقات التي معه.
دخل نوح وأهله إلا امرأته وابنه كانا من الكافرين، ودخل معه المؤمنون وكل المخلوقات. أغلق نوح أبواب السفينة ونوافذها كما أمره الله. أمر الله السماء فانهملت الأمطار الغزيرة من السماء، وأمر الأرض فتفجرت ينابيع الماء، وهبت العواصف والزوابع، وبدأ الماء يرتفع ليغطي البيوت والأشجار والجبال.
نظر نوح فوجد ابنه يجري نحو قمة جبل، فقال له نوح: اركب معي، لكن ابنه رفض وقال: الجبل سيعصمني من الماء. فقال نوح: لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم. وارتفعت الأمواج لتغرق الابن الكافر. سارت السفينة في أمواج كالجبال يوماً بعد يوم، وقضى الطوفان على كل الكفار.
غادر نوح السفينة هو وأهله، وخرجت المخلوقات لتملأ الأرض من جديد، وقام نوح وبنوه ومن معه من المؤمنين بزراعة وإعمار الأرض من جديد.
هلك كل من كفر بالله ولم يبق على سطح الأرض أحد حي، أمر الله السماء فسكت المطر والرعد والبرق، وأمر الأرض فبدأ الماء ينخفض ويتناقص، وسطعت الشمس من جديد بعد فترة طويلة من الغياب.
قصة عيسى عليه السلام
عاش عمران، وهو أحد الرجال الصالحين في زمن زكريا عليه السلام، مع زوجته، وكانت زوجة صالحة، ولكنها لم تنجب. وفي يوم من الأيام رأت امرأة عمران طائراً مع فرخ له، فاشتهت الولد، ونذرت إن رزقها الله تعالى ولداً أن تجعله خادماً لبيت المقدس. فاستجاب الله تعالى دعاءها، فحاضت، ثم حملت من زوجها، ومرت الأيام وقد ظهرت علامات الحمل على امرأة عمران، وزوجها فرح ينتظر المولود الذي يتمناه. ومرت التسعة أشهر، ولما جاء موعد الوضع، وضعت امرأة عمران أنثى، وكانت تتمنى ولداً ليخدم بيت المقدس. فاتجهت إلى الله بالدعاء وأخبرت أنها ولدت أنثى، وسمتها مريم. ومع هذا، فقد وفَّت بما وعدت، وعزمت على أن تجعل مريم خادمة لبيت المقدس.
ومكثت مريم مع أمها عامين كاملين، هما مدة الرضاع، ثم لفتها في خرقة، وخرجت بها إلى المسجد الأقصى، وكان عباد بني إسرائيل هناك، فكل منهم تمنَّى أن يكون كفيلاً لمريم، ومنهم زكريا عليه السلام زوج أخت امرأة عمران، ولكنهم طلبوا منه أن يقترعوا، وينظروا من الذي يأخذ مريم ويكون كفيلاً لها. وجاء وقت القرعة، ووضع كل منهم قلمه، ووضعوا الأقلام في مكان واحد، ثم أتوا بغلام صغير، ثم أمروه أن يأتي بقلم، فظهر قلم زكريا عليه السلام. فطلبوا أن يقترعوا مرة أخرى، فاتفقوا على أن يرمي كل منهم قلمه في النهر، والقلم الذي يجري خلاف جري النهر يكفلها، فخرجت القرعة لزكريا، فكرروها مرة ثالثة، فخرجت القرعة له أيضاً، فكفلها الله زكريا.
واتخذ زكريا عليه السلام لمريم مكاناً شريفاً في المسجد لا يدخل عليها أحد، فكانت تعمل في المسجد وقت نوبتها، ثم تقضي نهارها وليلها في طاعة الله. وظهرت لها كرامات عديدة، فقد كان زكريا عليه السلام يدخل عليها، فيجد عندها رزقاً، كان يجد فاكهة الصيف في الشتاء، وفاكهة الشتاء في الصيف، فيسألها: “يا مريم من أين لك هذا؟”، فتقول: “هو من عند الله. إن الله يرزق من يشاء بغير حساب”. وظلت مريم على عبادتها حتى كانت تضرب بها المثل في العبادة لله تعالى، وقد كانت الملائكة تأتيها، تبشرها أن الله تعالى اصطفاها وطهرها وجعلها أفضل نساء العالمين. وطلبت الملائكة من مريم أن تكثر من العبادة والطاعة لله، لاختيار الله لها واصطفائها على نساء العالمين، فكانت مريم تزيد من عبادتها لله.
وفي يوم من الأيام، بينما مريم تصلي في المحراب، بشَّرتها الملائكة أن الله تعالى يبشرها بمولود لها، فتعجبت كيف تلد وهي غير متزوجة؟ لم يقربها أحد، ولم يخطبها أحد، وماذا يقول الناس عنها؟ ولكن الملائكة طمأنتها وأعلمتها أن هذا أمر الله، وأنه قد نفذ أمر الله في قضائه، وأن الله تعالى لن يضيعها أبداً. ولم يمر وقت طويل على مريم حتى جاءها جبريل عليه السلام وهي في المحراب، وجاءها على هيئة رجل جميل، فخافت منه، وقالت له: “إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقياً، فابعد عني”. فقال لها: “يا مريم، لا تخافي، فأنا رسول من الله لأهب لك غلاماً زكياً”. فاستغربت من ذلك، ولكنه طمأنها، فإن الله يبشرها بغلام اسمه المسيح عيسى ابن مريم، وأن الله تعالى سيجعل على يديه معجزات كثيرة. وقبل أن تتكلم مريم، نفخ جبريل عليه السلام في جيب مريم وشق الثوب الذي يكون في الصدر، فحملت فوراً.
وحملت مريم، لكنها لم تشعر بآلام كما تشعر الأمهات، وظلت في هذا الحمل تسعة أشهر. وقد لاحظ بعض الصالحين الحمل على مريم، وكان من بين هؤلاء رجل يُقال له: يوسف بن يعقوب النجار، وكان ابن خال لها، فسألها: “يا مريم، هل يكون زرع بلا بذر؟”، فقالت: “نعم، فمن خلق الزرع الأول؟!” فقال لها: “فهل يكون ولد بلا أب؟”، فقالت: “نعم، إن الله تعالى خلق آدم من غير أب ولا أم، وخلق حواء من آدم”. فقال لها: “فأخبريني خبرك؟”. فقالت: “إن الملائكة بشَّرتني بعيسى من غير أب”. وكانت مريم تخرج من المحراب أيام الحيض، أو تخرج لطلب حاجة لها كطعام ونحوه. وأحست مريم أنها ستلد قريباً، فخرجت تسير في بيت لحم، حتى وصلت إلى مكان به شجر كثير، ليس فيه أحد من الناس، وجلست تحت جذع نخلة، فجاءها مخاض الوضع، فتذكرت ماذا تقول للناس، وماذا يقول الناس لها، فتمنت الموت، وقالت: “يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسياً منسياً”. فوضعت عيسى عليه السلام، وناداها من تحتها: “لا تحزني، وكفي عن البكاء، وهزي جذع النخلة ينزل عليك رطباً لتأكلي منه، فإن جاءك أحد، فأشيري إليه أنك صائمة عن الكلام، فإن الله تعالى سيدافع عنك”. فعلمت أن الله تعالى لن يضيعها.
واستسلمت مريم لأمر الله تعالى، فحملت ابنها وضمته لصدرها. وكان الوقت عصراً، فعادت إلى المسجد، والسوق في طريق المسجد، والناس جلوس في هذا الوقت قد أنهوا تجارتهم، وجلسوا يتحدثون. فرأوا مريم تحمل طفلاً، فقال رجل منهم: “طفل من هذا الذي تحمله مريم؟”، وطار الخبر إلى أحبار اليهود، وقالوا لها: “طفل من هذا يا مريم؟ إنه طفلك بالطبع، وكيف أتيت به وأنت من بيت طاهر شريف، لم يُعرف عنه السوء والفحشاء؟”. التف الناس حولها، واشتد الكلام، فأشارت إليه، فعلموا أنها صائمة عن الكلام، ولكنهم قالوا: “كيف نكلم من كان في المهد صبياً؟”. فنطق عيسى عليه السلام، وقال لهم: “إني عبد الله، آتاني الكتاب وجعلني نبياً، وجعلني مباركاً أينما كنت، وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حياً، وبراً بوالدتي ولم يجعلني جباراً شقياً”. لقد رأى اليهود أمامهم معجزة، ولكنهم لم يعترفوا بها. إنهم يخافون على أنفسهم وعلى مكانتهم.
وجلس أحبار اليهود مع أنفسهم، فقال أحدهم: “أرأيتم، لقد نطق الرضيع، إنه سيكون نبيًا، ولن نستطيع أن نقول للناس: إننا وسيلتهم إلى الله”. وقال آخر: “إننا لن نستطيع أن نأخذ منهم الأموال التي نغفر لهم بها الذنوب”. وقال ثالث: “لابد من حل، لابد من قتل هذا الرضيع، قبل أن يكبر”. وذهبوا إلى الملك وأخبروه بأن ملكه سيزول. وخافت مريم على ولدها، فهاجرت به إلى مصر، ثم عادت بعد ذلك بفترة. كبر عيسى عليه السلام، وقد أيده الله تعالى بمعجزات، فكان يجلس مع الناس، ويرون معجزاته التي أيده الله بها. فكان يأخذ من الطين، فيصنع ما يشبه الطير، ثم ينفخ فيها، فتكون طيراً يطير في الهواء بإذن الله. وكان الناس يأتون إليه بالولد الأكمه الذي وُلد أعمى، فيمسح على عينيه، فيبصر بعينيه، ويجيء إليه المرضى، فيدعو الله لهم، فيشفيهم بإذن الله تعالى.
وظل عيسى عليه السلام يدعو بني إسرائيل، وآتاه الله تعالى الإنجيل، وعلمه التوراة، فكان لا يتوانى عن دعوة الناس إلى الحق بعد أن ضلوا، ولكن أحبار اليهود كانوا يستهزئون به، ويقولون: “إن كنت نبياً حقاً، فأخبرني ما الطعام الذي جهزته زوجتي لي؟”، فيقول لهم: “عندكم في البيت كذا وكذا”، فيذهب الرجل إلى البيت فيجد ما أخبره به عيسى، ولكنهم مع كل هذا لم يؤمنوا بعيسى عليه السلام. وظل عيسى عليه السلام يدعو قومه إلى عبادة الله، فآمن معه اثنا عشر رجلاً. حتى هؤلاء، فقد أتعبوا عيسى، فقد طلبوا منه أن ينزل الله مائدة من السماء ليأكلوا، فدعا عيسى ربه، فاستجاب الله تعالى دعاءه، ولكن الله تعالى حذر من يكفر بها بعد نزولها، فإن الله تعالى سيعذبه عذاباً شديداً. وأنزل الله مائدة من السماء فأكل الحواريون منها، فكانت لهم عيداً من أعيادهم.
وانتشر أمر عيسى عليه السلام، ومع أنه لم يؤمن له كثير من اليهود، لكنهم ظلوا يتآمرون عليه. ففكروا في قتله، وفي اليوم الذي فكر فيه اليهود في قتل عيسى عليه السلام، أخبر عيسى الحواريين بمؤامرة القتل، وقال لهم: “من منكم يصلب مكاني ويكون معي في الجنة؟”. فقام شاب، فقال له: “اجلس”، لأنه كان صغير السن. ثم ردد السؤال، فقام هذا الشاب، فأسقط عليه شبه عيسى، ولما جاء جنود الملك الذي استمع لليهود، وأصعد الله عيسى إلى السماء من فتحة في البيت، وقبض الجنود على شبيه عيسى، وقتلوه وصلبوه. وقد أخبرنا النبي محمد صلى الله عليه وسلم أن عيسى عليه السلام سينزل في آخر الزمان، يقتل الخنزير ويكسر الصليب ويقيم العدل في الأرض ثم يموت، لأن كل إنسان مكتوب عليه الموت.
قصة شعيب عليه السلام
مدين هو اسم مدينة، وهو أيضاً اسم القبيلة التي سكنتها. وقد عاش أهلها بعد قوم لوط بفترة قصيرة، وفي مكان قريب من آثارهم. وتشابهوا معهم في المعاصي مثل قطع الطريق، وإخافة المارة، وإن لم يرتكبوا فاحشة قوم لوط. واشتهر أهل مدين ببخس الميزان، أي أنهم كانوا إذا باعوا لغيرهم تلاعبوا في الميزان ليعطوه أقل من حقه، وإذا اشتروا منهم تلاعبوا ليأخذوا أكثر من حقهم.
وكان أعظم ذنوبهم عبادتهم للأيكة، وهي شجرة كبيرة حولها شجرة ملتفة. فبعث الله إليهم النبي شعيباً عليه السلام، يدعوهم إلى التوحيد، وينهاهم عن معاصيهم. فاستنكروا منه ذلك، وسألوه مستهزئين: “هل تأمرك صلاتك أن تدعونا لترك دين آبائنا وتغير طريقتنا في التجارة؟ كيف يصدر هذا الكلام عن رجل عاقل رشيد؟”. فبين لهم شعيب أنه رسول من الله لا يدعوهم إلا لما فيه صلاحهم في الدنيا والآخرة، وأنه لا يفعل شيئاً مما ينهاهم عنه. وهكذا يجب أن يكون كل مسلم، لا ينهى عن منكر ثم يفعله، أو يأمر بخير ثم يتركه. كما ذكرهم شعيب بالعذاب الذي أصاب الأقوام السابقة، وحذرهم أن يدفعهم كرههم له إلى الاستمرار في الكفر فيحل بهم ما حل بهؤلاء الأقوام.
ولكنهم بعد كل هذا الوعظ ردوا بأنهم لا يفهمون ما يقول، وهم في الحقيقة لا يريدون أن يفهموا أو يستجيبوا. ثم قالوا لشعيب: “لو لم تكن من عائلة كبيرة لرجمناك بالحجارة حتى الموت!”. تعجب شعيب من قوم يخافون غضب عائلة كبيرة ولا يخافون غضب الله، وقال لهم: “إذن استمروا على ضلالكم، وأنا استمر على هداي، وانتظروا معي النهاية لنرى من منا الذي سيحل به عذاب يذله”. فردوا عليه قائلين: “إن كنت صادقاً فاسقط علينا قطعات من السماء فيها العذاب”.
لقد طلبوا العذاب بأنفسهم، فأعطاهم الله أكثر مما طلبوا. سلط الله عليهم الحر الشديد حتى هربوا من مدينتهم بحثاً عن نسمة هواء، فرأوا خارج مدينتهم سحابة شعروا تحتها ببعض النسيم يخفف الحر. فاجتمعوا كلهم تحتها يستظلون بها، وحينئذ أمطرت السحابة شهباً وناراً أخذت تشوي أجسادهم! ثم جاءتهم من السماء صيحة هائلة نزعت أرواحهم من أبدانهم، كالصيحة التي عذب بها قوم ثمود. كل هذا يحدث والأرض تتزلزل وترتجف بهم، لكي يكتمل رعبهم وتتألم كل خلية في أجسادهم. وقد ذكر القرآن هذه العذابات المتعددة التي حلت بهم: يوم الظلة إشارة إلى سحابة النار، والرجفة والصيحة التي أصابتهم.
أما شعيب فقد نجا هو ومن آمن معه من العذاب. أخذ يفكر في قومه المهلكين ويقول: “لقد أديت واجبي نحوكم، وأبلغتكم رسالة ربي، فكيف أحزن عليكم وقد اخترتم العذاب باختياركم الكفر؟”.
قصة أيوب عليه السلام
كان أيوب عليه السلام نبياً من أنبياء الله تعالى، وكان الله قد رزقه بزوجة صالحة، ورزقه بنين وبنات، وآغناه الله تعالى، فكان عنده تجارة وأغنام وغير ذلك من الأملاك. فكان دائم الشكر لله تعالى، دائماً يذكر الله، ويصلي ويصوم ويجتهد في العبادة. وقد عُرف بالصلاح بين أهله وعشيرته، فأحبوه وكانوا دائماً يلجأون إليه ويستشيرونه في أمورهم فيقف معهم ويقضي لهم حاجاتهم.
وأراد الله تعالى أن يبتلي أيوب عليه السلام، لأن الله كان يحب أيوب، وإذا أحب الله عبداً ابتلاه واختبره، وكان اختبار الله لأيوب عليه السلام ليس ليُرى هل ينجح أم يرسب، بل ليكون أيوب قدوة لمن يبتليهم الله من عباده.
فضاع كل ماله، ومرض أيوب مرضاً شديداً، كان دائم التألم منه، ولكنه كان صابراً على المرض، يحمد الله على كل شيء.
ونجح أيوب في ابتلاء الله له من فقد المال، وفقد الصحة. فأراد الله تعالى أن يزيد في اختباره، فمات كل أولاده. فحزنت زوجته على فقد الأولاد، ولكن أيوب عليه السلام صبر زوجته وقال لها: “إن الله تعالى أعطانا الأولاد أمانة وهو صاحبها، وقد أخذها، فالحمد لله على كل ما قدر، فإن كان أخذ فقد أعطى، فله الحمد والشكر”.
واستمر أيوب في صبره على بلاء الله سنين عديدة، تصل إلى عشرات السنوات، ولم يزحزحه ذلك عن الصبر. وكان الناس يزورونه، ولكن لما طال المرض يئس الناس من حاله، فكانوا كطبيعة بشرية ينسون أيوب، وينشغلون بمصالحهم وتجارتهم. ولم يقف معه إلا بعض أقاربه وزوجته الصابرة. وكانت زوجته تخرج تعمل عند الناس، فكانت تخدم في البيوت، وتغسل وتقوم ببعض الأعمال الشاقة حتى تأتي بالطعام، ثم تعود إلى أيوب وقد أنهكه المرض، فتجهز له الطعام، ثم تعطيه، وتحاول أن تدخل السرور عليه. فينظر أيوب عليه السلام إلى زوجته، ويشكرها على ما تفعله من أجله، ولكنها تخبره أن هذا واجب عليها.
وقد مر على هذا الحال أعوام عديدة، وزوجة أيوب عليه السلام تعمل بعد أن ذهب كل ماله. وبعد فترة كره الناس عملها، وكان ذلك زيادة في الابتلاء من الله لأيوب عليه السلام. فكلما ذهبت لأحد لتعمل عنده طردها. فتأخرت زوجة أيوب عن موعدها كي تتحصل على طعام لأيوب ولم تجد عملاً. فباعت شعر رأسها لإحدى النساء، وأتت بالطعام لأيوب عليه السلام. وجاءت زوجة أيوب بالطعام بعد أن باعت شعر رأسها، وكان ذلك في وقت متأخر. فغضب أيوب لأنها تأخرت، وسألها عن سبب تأخرها، فتحججت له بأنها تأخرت في العمل. فأقسم أيوب أن يضربها مائة ضربة بالسوط. ثم اكتشف أيوب أن شعر زوجته غير موجود، وعلم أنها باعت شعرها لتأتي له بالطعام. فتأثر أيوب بذلك، ولكنه صبر على قضاء الله.
وجاء الشيطان لأيوب وهو في هذه الحالة، وقال له: “إن ما حدث لك من البلاء إنما هو بسببني. فإن تركت الصبر، رفعت عنك هذا البلاء”. ولكن أيوب نبي من أنبياء الله، وليس للشيطان أن يؤثر فيه. وصعب على أيوب عليه السلام أن يتجرأ عليه الشيطان بمثل هذه الوسوسة. فتأثر أيوب عليه السلام تأثراً كبيراً في نفسه، ولكنه يعلم أن هذا جزء من ابتلاء الله تعالى له. فقام أيوب وخرج من بيته إلى جبل، وهناك نادى أيوب ربه، ورفع إليه يديه يشكو له أن الشيطان قد تجَـرأ عليه بالوسوسة والتزيين أن يشرك بالله، ودعا الله أن يرفع عنه ذلك البلاء حتى لا يكون للشيطان عليه سبيل.
صلى أيوب لله تعالى، وأطال السجود، وأكثر من الدعاء أن يزيل الله عنه ما به، بعد أن تجرأ الشيطان عليه. فأمره الله تعالى أن يشرب من عين ماء في الجبل، وأن يغتسل منها. فشرب واستحم فيها، فوجد أن المرض قد زال عنه. وعاد أيوب عليه السلام إلى بيته، وقد ردت له عافيته وصحته. فرأته زوجته، فلم تصدق أنه هو، وكادت تطير من الفرح. إنها لا تدري ماذا تفعل. إن أيوب عادت إليه صحته وقوته. فحمدت الله تعالى وشكرته على نعمته. وجلس أيوب حزينا، فقد تذكر أنه أقسم بالله ليضربن زوجته مائة سوط، ولم يكن لها ذنب، فقد باعت شعر رأسها حتى تأتي له بالطعام. وتوجه أيوب إلى الله بالدعاء، فهو لا يدري ماذا يفعل. أيضرب زوجته التي صبرت معه؟ وإن لم يضربها، فقد أخل بالقسم الذي أقسم بالله به. فكان فرج الله على أيوب أن أمره أن يأخذ مائة عود من الريحان، فيضرب بها زوجته ليبر قسمه.
وأتى الناس من كل مكان إلى أيوب عليه السلام يهنئونه بشفاء الله تعالى له، وأن عافاه من المرض. فكان أيوب عليه السلام يقول لهم: “إن هذا من فضل الله تعالى علي”. فإن الناس يتحدثون في البيوت والشوارع والمجالس عن صبر أيوب، وصار مثلاً بين الناس: “صبر كصبر أيوب”. ولأن أيوب قد صبر ونجح في اختبار الله تعالى له هو وزوجته، فقد رزقه الله تعالى ضعف ماله الذي فقده، ورزقه من زوجته ضعف أولاده الذين ماتوا. فعرف الناس نتيجة الصبر، وكان ما حدث لأيوب عبرة للناس، ليعلموا أن أنبياء الله هم أشد الناس بلاءً، وليعرفوا أن جزاء الصبر هو خير كثير من الله تعالى للإنسان في الدنيا والآخرة.
وأما زوجة أيوب عليه السلام، فقد شكر لها أيوب ما صنعت معه من عملها، وأنها لم تتركه لحظة، بل كانت دائماً معه لتكون مثالاً للزوجة الصالحة. وقد كافأها الله تعالى في الدنيا أن أعاد لها شبابها وجمالها، مكافأة لها على صبرها مع زوجها، ورزقها ضعف أولادها الذين ماتوا. فشَكَرَت الله تعالى، وكانت دائماً تذكر هذه الأيام وتنظر ما هي فيه من النعيم فتحمد الله رب العالمين.
قصة موسى عليه السلام
حكم مصر فرعون جبار كان المصريون يعبدونه، ورأى هذا الفرعون بني إسرائيل يتكاثرون ويزيدون ويملكون. لذلك اغتاظ منهم فأمر بأخذ أراضيهم وممتلكاتهم ثم عذبهم عذاباً شديداً فكان يأخذ نساءهم للخدمة ويستخدم الرجال منهم في أشد الأعمال نظير طعامهم وشرابهم، ومن لم يكن منهم أهلاً للعمل كان يأخذ منه الجزية. وفي أحد الأيام تنبأ السحرة والكهنة لفرعون بأنه سيولد في هذا العام من بني إسرائيل ولد ذكر يأخذ الحكم من الفرعون. لذلك أمر فرعون الطاغية أن يقتل كل غلام يولد في بني إسرائيل، فأخذ جنوده الأشرار يذبحون كل طفل ذكر من أطفال بني إسرائيل بينما كانوا يبقون على الإناث.
في هذا الوقت ولد موسى، فخافت عليه أمه من القتل. فراحت ترضعه سرا. ثم أوحى الله إليها بصنع صندوق صغير لموسى. ثم إرضاعه ووضعه في الصندوق وإلقائه في النهر. ولا تخاف ولا تحزن لأنه سيكون في حفظ الله ورعايته. فتوجه الصندوق وفي داخله موسى الرضيع مع نهر النيل، وحمله الماء حتى وصل إلى قصر فرعون وهناك ألقاه الموج للشاطئ. وفي هذا الوقت خرجت زوجة فرعون بالقرب من النيل وقد كانت إمرأة صالحة، وما إن سارت قليلا حتى أبصرت الصندوق وفيه موسى. فألقى الله محبته في قلبها. وقررت أن تتخذه ولداً لها حيث كانت لا تنجب. جاء فرعون ورآه أراد قتله وأمر بذبحه فما كان من زوجته إلا أن دافعت عنه وطلبت منه ألا يقتله وأن يسمح لها بتربيته، فسمح لها بذلك. عاش موسى في قصر فرعون وأمرت زوجة فرعون أن يأتوها بمرضعة لكي ترضع المولود، ويشاء الله أن تكون أم موسى هي المرضعة.
عاش موسى وكبر في بيت فرعون، حتى إذا بلغ أشده آتاه الله حكماً وعلماً وكان موسى رجلاً قوياً. ففي أحد الأيام وجد رجلين يقتتلان أحدهما من بني إسرائيل والآخر من أتباع فرعون، واستغاث به الرجل الضعيف فتدخل موسى وأزاح بيده الرجل الظالم فقتله. ولم يكن يقصد قتله ولكن كانت إرادة الله، تاب موسى إلى الله وندم لكنه كان خائفاً من انتقام فرعون وأتباعه لذلك قرر الهروب. سار موسى حتى بلغ مدينة مدين وهناك لاحظ موسى جماعة من الرعاة يسقون غنمهم، ووجد امرأتين تكفان غنمهما أن يختلطا بغنم القوم، فذهب فسألهما عن سبب رعاية الغنم بأنفسهما، فأخبرتاه بأن أباهما شيخ كبير وليس عنده من يرعى له الأغنام.
عادت الفتاتان إلى أبيهما الشيخ، وأخبرتاه بخبر موسى وطلبت منه أن يكرمه على هذا الصنيع الحسن معهما، وذهب موسى للقاء الشيخ فعرض عليه البقاء معهم ورعي الأغنام لمدة ثمانية أعوام على أن يزوجه إحدى بناته. وافق موسى وعاش معهم لمدة عشر سنين ثم قرر العودة لمصر، وفي الطريق أبصر موسى ناراً مشتعلة، فلما أتاها ناداه الله وأخبره بأنه رسول الله إلى فرعون وقومه لعبادة الله وأظهر له المعجزات فتحولت عصاه إلى ثعبان ورأى يده السمراء وقد تحولت إلى بيضاء كالثلج. طلب موسى من الله أن يرسل معه أخاه هارون إلى فرعون. فذهب الاثنان لمقابلة فرعون يدعوانه لعبادة الله الواحد فسخر منهما فرعون وقال: “لأسجنكما”، فقال موسى: “أولو جئتك ببينة!” فألقى موسى بعصاه فتحولت لثعبان كبير وأخرج يده فإذا هي بيضاء كالثلج. ظن فرعون أن موسى ساحر فتحداه أنه سيأتي بسحرة أكثر منه قوة واتفقا على الالتقاء يوم العيد أمام الناس.
وجاء يوم العيد وتجمع الناس وجاء السحرة فألقوا حبالهم وعصيهم فظهرت كأنها ثعابين تتحرك، فألقى موسى عصاه فتحولت بقدرة الله إلى ثعبان كبير أخذ يبتلع الحيات الكثيرة. عرف السحرة أن موسى ليس ساحراً وإنما رسول من رب العالمين فآمنوا بالله. عندئذ قرر فرعون أن يعذبهم. أخذ موسى يدعو إلى الله في كل البلاد ثم طلب من فرعون أن يُطلق بني إسرائيل فرفض فرعون. فسلط الله على مصر الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم، فطلب فرعون من موسى أن يدعو ربه ليرفع عنهم البلاء حتى يسمح بخروج بني إسرائيل مع موسى.
وبعد أن كشف الله عنهم البلاء لم يسمح فرعون لبني إسرائيل أن يخرجوا مع موسى، فأوحى الله لموسى أن يذهب ببني إسرائيل إلى فلسطين. فلما وصل بنو إسرائيل لشاطئ البحر وجدوا فرعون في أثرهم ليبطش بهم. أمر الله موسى أن يضرب البحر بعصاه فانشق البحر ليعبر بني إسرائيل إلى الجانب الآخر، وبعد عبورهم حاول فرعون وجنوده اللحاق بهم فإذا بالماء يطبق عليهم فيغرقهم جميعاً. ثم دخل موسى ببني إسرائيل إلى سيناء وهناك سار حتى بلغ جبل الطور فطلب الله من موسى أن يصعد إلى الجبل، وفوق الجبل أنزل الله على موسى التوراة وعلمه فيها كل الوصايا التي تبين لبني إسرائيل الخير والشر وتكون نور الهُدى والرشاد.