قصص الأنبياء للأطفال: تعلم الأخلاق من أفضل القصص
منذ العصور القديمة، كانت قصص الأنبياء مصدر إلهام وتعليم للأجيال المتعاقبة. هذه القصص ليست مجرد سرد للأحداث التاريخية، بل هي دروس غنية في الأخلاق والقيم التي تسهم في بناء شخصية الأطفال. إذا كنت تبحث عن طريقة لتعليم أطفالك القيم الإسلامية وتعريفهم بأخلاقيات الأنبياء، فقصصهم تعد من أفضل الوسائل لذلك. في هذا المقال، سنتعرف على كيف يمكن للأطفال تعلم الفضائل من خلال القصص الرائعة التي حدثت في حياة الأنبياء، وكيف يمكننا تحويل هذه القصص إلى دروس تربوية مليئة بالتعلم والإلهام.
القصص
خلق آدم عليه السلام
تسمعون بالتأكيد عبارة “الإنسان الأول”، أي أول إنسان عاش على الأرض بعد أن انقرضت الديناصورات لتفسح له المجال، وربما تتخيلون هذا الإنسان رجلاً بدائيًّا لا يرتدي إلا قطعة من جلد حيوان اصطاده يلفها على وسطه، ويحرّك يديه بإشارات كثيرة؛ لأنه لا يعرف ماذا يأكل ولا كيف يأكل. دعوني أخبركم بأن كثيرًا من خيالاتكم هذه ليس صحيحًا على الإطلاق. فالإنسان الأول كان يعرف كيف يتكلم، وكيف يأكل، ويعرف أشياء أخرى كثيرة، بل كان يعرف أهم شيء يجب أن يعلمه الإنسان، وهو أن الله موجود وهو خالقه وخالق كل شيء، وأنه لا إله غيره. كل هذا لأن الإنسان الأول كان بلا شك نبيًّا من أنبياء الله تعالى. لقد كان سيدنا آدم أبا البشر.
وقبل خلقه، أخبر الله عز وجل الملائكة بأنه سيخلق الإنسان ويجعله يحيا على الأرض. وهنا خاف الملائكة من أن يكونوا قد قصروا في عبادة الله وتسبيحه، لهذا أرادوا أن يخلق الله خلقًا غيرهم. فسألوا الله عز وجل ليفهموا، لا ليعترضوا: “لماذا يا ربنا تخلق الإنسان وتجعله على الأرض فيفسدها ويعصي ويقتل ويسيل الدماء، في حين أننا نعبدك ونسبحك ليل نهار؟” فأخبرهم الله بأنه يعلم ما لا يعلمونه هم، فلم يعترض الملائكة أو يناقشوا، فالمؤمن لا يعترض أبدًا على أمر ربه أو يشك في حكمته.
ومن الأرض، من ترابها، خلق آدم. فقد أمر الله أحد ملائكته، وهو جبريل عليه السلام، أن ينزل إلى الأرض فيأخذ قبضة من ترابها. فلما رأت الأرض الملك يريد ذلك قالت له: “إني أستعيذ بالله منك أن تأخذ مني شيئًا.” فلم يأخذ الملك منها التراب وعاد إلى السماء وقال لله عز وجل: “لقد استعاذت بك يا رب فأعذتها.”
فأرسل الله الملك ميكائيل إلى الأرض، فحدث مثلما حدث في المرة الأولى. وفي المرة الثالثة، أرسل الله ملك الموت، فقالت الأرض: “أعوذ بالله منك أن تأخذ مني شيئًا.” فقال لها الملك: “وأنا أعوذ بالله أن أرجع ولم أنفذ أمره.” فأخذ منها التراب وصعد إلى السماء. حيث مر التراب بعدة مراحل، أولها أنه خلط بالماء فأصبح طينًا، وفي النهاية شكل الله منه جسد آدم عليه السلام.
قبل أن تدخل الروح في جسد آدم عليه السلام، كان هناك من ينظر إليه متسائلًا عن سر هذا المخلوق الجديد. فاقترب منه وحام حوله، بل دخل جسده وخرج، فوجده أجوفًا. فاستهان به وقال: “إن هذا المخلوق لا يستطيع أن يمنع الشر عن نفسه، وسوف أؤذيه وأهلكه ما استطعت.”
فمن هذا الذي يتوعد آدم بالشر قبل أن يتكلم كلمة أو يتحرك حركة؟ إنه إبليس الذي ستستمر عداؤته لآدم وذريته حتى نهاية القصة، بل حتى نهاية الحياة على كوكب الأرض.
وأخيرًا، صار آدم إنسانًا بعد أن نفخ الله تعالى فيه من روحه، ودخلت الروح في الجسد الهامد ليحيا ويتحرك. وكان الملائكة قد أمروا أن يسجدوا لآدم بعد نفخ الروح فيه، وكان إبليس مأمورًا بذلك أيضًا. فسجد الملائكة طاعة لله، ولم يكن سجودهم لعبادة آدم أو الصلاة له. أما إبليس، فتفاجأ ورفض السجود، لأنه مخلوق من نار وآدم مخلوق من طين، فكيف تسجد النار للطين؟ هكذا فكر إبليس. ولكن من قال إن النار أفضل من الطين؟ بل قال إن الأمر يتعلق بالطين والنار؟ إنما المسألة أن الله تعالى قد أمر إبليس أمرًا، فوجب عليه تنفيذه دون جدال أو نقاش. لكن إبليس تكبر واغتر، فطرده الله تعالى من رحمته ومن المنزلة التي كان فيها، ولعنه إلى يوم القيامة، وجعله من الأذلاء الصاغرين.
وبدلًا من أن يستغفر إبليس ويطلب عفو الله، طلب شيئًا عجيبًا. فقال لله عز وجل: “اتركني حيًا لا أموت إلى يوم القيامة.” فأجاب الله طلبه. فلما تأكد إبليس من إجابة طلبه، ازداد عنادًا ووقاحة، فقال لله عز وجل: “سأظل مترصدًا لأبناء آدم، أنهاهم عن أي خير أو طاعة، وأشجعهم على كل أنواع المعاصي والآثام.”
فأخبره الله سبحانه أن جزاءه وجزاء من تبعه سيكون النار التي ستمتلئ بهم. والآن، لا تخافوا وأنتم تتخيلون شيطانًا مطرودًا يهبط إلى الأرض، وقد تطاير من عينيه شرر الحقد على آدم وأبنائه الذين كان يتحن منهم. فإن الإسلام يعلمنا أن هذا الشيطان ضعيف، يكفينا لمحاربته أن نقول: “أعوذ بالله من الشيطان الرجيم”، فنطرد وساوسه من رؤوسنا، ونتمسك بأوامر الله تعالى والرسول صلى الله عليه وسلم، داعين الله أن يهدينا لذلك. وإن ضعفنا يومًا وأطعنا الشيطان، فلنبادر إلى التوبة والاستغفار. وإن كان الشيطان لا يتركنا حتى تخرج أرواحنا من أجسادنا، فإن الله تعالى لا يغلق أمامنا باب التوبة مادام ملك الموت لم يقبض أرواحنا.
مؤامرة إبليس
أُبعد الشيطان وطُرد، ولكن آدم بقي في الجنة، وعلمه الله الأسماء كلها: أسماء الكائنات التي خُلِقَت والتي لم تُخلق بعد، وكان هذا التعليم نعمة أنعم الله بها على آدم. ثم زاد فضل الله عليه بأن خلق له من أحد ضلوعه امرأة، لتكون له زوجة تؤنسه في الجنة، وترافقه في الحياة، وتُنجب له البنين والبنات. وأسكن الله آدم وزوجته حواء الجنة، وجعلهما يتمتعان بكل نعيمها، ويأكلان من كل طعامها، لكن الله منعهما من الأكل من شجرة واحدة، وحذرهما من الشيطان ومكائده؛ لأنه عدو لهما يريد بهما الشرّ، ويريد أن يُخرجهما من الجنة ليعيشا حياة الشقاء والتعب، حيث كانا لا يتعرضان في الجنة لجوع أو عطش أو حر أو برد.
ولكن الشيطان بدأ تنفيذ مؤامرته الخبيثة؛ فوسوس لآدم: “لماذا تحرم نفسك من هذه الشجرة؟ كل منها يا آدم.” ولكن آدم لم يستجب لإغوائه؛ فلجأ الشيطان إلى الخداع، وأقسم لآدم وحواء قائلاً: “أقسم لَكما إنني لكما ناصح أمين، لا أريد إلا مصلحتكما. إن من يأكل من هذه الشجرة يصبح ملكًا من الملائكة، ويصير خالدًا في النعيم لا يموت أبدًا، فلماذا تحرمان نفسيكما من كل هذا؟”
وأمام إلحاح الشيطان وتكراره لوسوسته، نسي آدم أن إبليس عدوه وأن الله قد حذره هو وزوجته منه ومن مكائده. وما إن ذاق آدم وحواء ثمار تلك الشجرة حتى ظهرت عورتهما التي لم تكن قد بدت لهما من قبل، فشعرا بالخجل الشديد، وأخذا يقطعان من أوراق الشجر ليسترا العورة. وهنا عاتبهما الله تعالى؛ لأنهما نسيا أنه سبحانه قد نهاهما عن الشجرة وحذرهما من الشيطان، ولكنهما لم يفعلا كما فعل إبليس. بل امتلآ تدمّداً، وأسرعا إلى التوبة، وقالا: “يا ربنا إنا ظلمنا أنفسنا عندما فعلنا ما فعلنا، فاغفر لنا وارحمنا وإلا نكن من الخاسرين في الدنيا والآخرة.”
فتقبل الله توبة التائبين، ولكنه قدّر أن تنتهي حياتهما في الجنة، ليبدأ حياة مختلفة على الأرض. ترى كيف كانت هذه الحياة الجديدة؟
ابنا آدم (قابيل وهابيل)
أهبط آدم وحواء إلى الأرض بأمر من الله تعالى ليعيشا حياتهما الجديدة. رأتهما حيوانات الأرض وطيورها وأحبتهما؛ لأنهما يعرفان الله ويسبحانه. وبدأ بعض البشر غير آدم وحواء يظهرون على الأرض، كيف ذلك؟ لقد بدأت حواء تنجب أطفالا، وولدت حواء مرات كثيرة، وكانت تلد في كل مرة ولدا وبنتا، ذكرًا وأنثى. كان آدم يسعى في الأرض كي يأتي لهم بالطعام والشراب، وحواء تحمل وتلد وتربي، ويشاركها آدم في تربية الأبناء حتى كبر هؤلاء الأبناء ووصلوا إلى سن الزواج.
ولكن ممن يتزوّجون؟ وليس لهم عمّ ولا خالة ليتزوجوا من أبنائهما، ليس على الأرض من الناس غير آدم وأبنائه. لذا شرع الله لهم أن يتزوج الأخ إحدى أخواته، بشرط ألا تكون توأمه التي ولدت معه في الولادة نفسها، بل التي ولدت مع ذكر آخر غيره. كان يجب أن يحدث هذا كي يتزوّجوا وينجبوا أبناء آخرين، ويكثر الناس على الأرض وتستمر البشرية.
وفي إحدى ولادات حواء ولدت بنتا جميلة كان توأمها الذي ولد معها يسمى قابیل. وعندما كبرت هذه البنت أراد هابيل وهو أخ لها لم يولد معها أن يتزوجها، ولكن توأمها قابيل رفض بشدة وقال: “لا، لن يتزوجها هابيل، أريد أن أتزوجها أنا، فهي جميلة”. قالوا له: “كيف يا قابيل؟ أتتزوج توأمك وهي حرام عليك لأنك تراها جميلة؟! إن الحلال هو الأجمل دائمًا من الحرام، لأنه يجعلك عند الله أفضل وأحسن”. قال قابيل: “لا شأن لي بهذا، ولن يتزوّج هذه الفتاة أحد غيري!” وهنا أراد آدم عليه السّلام أن يحسم الأمر، فأمر قابيل وهابيل أن يتقرّب كل منهما بشيء مما عنده إلى الله عز وجل، ومن يتقبله الله منه الشيء الذي تقرب به -أي قربانه- يتزوج الفتاة الجميلة.
انطلق هابيل إلى الأغنام التي عنده ونظر فيها جميعا وأخذ يُفكر: أي الأغنام أفضل؟ أي الأغنام أسمن؟ يجب أن أتقرّب إلى الله بأفضل شيء عندي كما أفعل عندما أتصدق، فالصّدقة تقع في يد الله تعالى قبل أن تصل إلى يد الفقير. أما قابيل فقد انطلق إلى المزروعات والمحاصيل التي عنده ووقف أمامها يفكر: “أريد أن يتقبل الله قرباني أنا، وإذا قبله الله فسوف يرسل نارا تأكله وسأخسر ما أقدمه من زرع، لذا سأختار أسوأ ما عندي من الزرع كي لا أخسره إذا أحرقته النار!”
وحان وقت تقريب القربان، ووضعت الغنمة السمينة الطيبة، ووضع الزرع السيئ الخبيث، وعلامة قبول شيء منهما هي نزول نار من السماء لتأكل هذا الشيء، فكان الذي أكلته النار هو غنمة هابيل. وهنا اشتعلت نار أخرى في قلب قابيل، وهي نار الحسد والحقد على أخيه، وأخذ الغضب يصرخ بداخله: “لماذا تقبل الله من هابيل ولم يتقبل مني؟ لماذا؟ يجب أن أنتقم منه، سأنتقم منه، سأقتله.” هكذا قرر قابيل، وبهذا أخبر أخاه بأنه سيقتله. ترى ماذا فعل الأخ الطيب حينئذ؟
أول جريمة قتل
إن الطريقة الوحيدة لتُدافع عن نفسك ضدّ شخص يريد قتلك هي أن تقتله أنت، وهذا ما لا يريده هابيل الطيب خوفاً من الله تعالى. لذا قال لأخيه قابيل الذي قال له “لأقتلنك”: “وما ذنبي؟ أنا اتقيت الله وقربت له أفضل ما عندي فتقبل مني؛ فإن الله يتقبل من المتقين”. ثم قال له: “إن حاولت قتلي يا قابيل فلن أحاول أن أقتلك، لأنني أخاف من عقاب الله إذا قتلتك، وإنني أريد أن تتحمل ذنب قتلي الذي سيضاف إلى ذنوبك السابقة، فتكون النار هي جزاءك على كل هذه الذنوب، وتصبح من الظالمين”. وقد كان هابيل يريد من هذا الكلام أن يخوف أخاه من الله، ويحذره من العقاب الشديد الذي سينتظره إذا قتله، ولكن قابيل لم يستمع لكلامه، بل استمع لصوت نفسه وهي تأمره بالشر قائلة: “يجب أن تقتل هابيل، إنه سيكون الأفضل في عيون الناس والمحبوب عندهم، لأن الله تقبل منه ولم يتقبل منك، وستكون أنت السيئ المكروه لديهم”.
فنفذ قابيل ما قرّره، وقتل الأخ أخاه، ووقعت أول جريمة على الأرض! ولأن الحقد والغضب يجعلاننا لا نفكر ولا نرى ولا ندري شيئاً عما نفعله، فقد أفاق قابيل من سورة حقده بعد أن قتل أخاه، ليجده أمامه جثة هامدة لا يدري ماذا يفعل بها؛ فلم يكن أحد قد مات أو قتل قبل هابيل، ولم يكن الناس قد عرفوا ماذا يفعلون بأجساد الموتى، أو كيف يدفنونهم. حمل القاتل أخاه على ظهره، وأخذ يمشي به حائراً لا يدري ماذا يفعل بعد أن خسر أخاه، وخسر رضا والديه، وخسر قبل ذلك كله رضا الله، فماذا كسب من جريمته الشنعاء؟ وبعد أن طال سير قابيل وحيرته وهو يحمل أخاه، جلس يستريح، وحينئذ أرسل الله غرابين وقفا أمام قابيل يتشاجران ويقتتلان، فقتل أحدهما الآخر، فحفر الغراب القاتل حفرة في الأرض ووضع فيها الغراب المقتول، ثم غطاه بالتراب، تنبه قابيل؛ لأن هذا ما كان يجب أن يفعله بجثة أخيه – أن يدفنها. وأخذ يتحسر على نفسه ويقول: “لقد عجزت أن أكون مثل هذا الغراب الذي لا يفكر فأدفن جثة أخي!” وسكن الندم قلب قابيل وأخذ يردد في نفسه: “ليتني مت قبل أن أقتل أخي، ليته هو الذي قتلني، ليتني قدمت أطيب ما عندي قرباناً لله، ليتني … وليتني…”
ولكن ماذا يُفيد الندم يا قابيل؟ لقد فعلت فعلتك وانتهى الأمر! هل فكرتم في سيدنا آدم عليه السلام؟ ترى كيف كان حاله عندما علم أن أحد أولاده قد قتل الآخر؟ لقد حزن حزناً لا يوصف، يُقال إنه بكى على ابنه المقتول سنين طويلة. لقد تحسر آدم وحواء ليس فقط على ابنهما المسكين المقتول، ولكن على ابنهما القاتل أيضاً؛ لأنه استحق غضب الله وعذابه بقتله أخاه. إن أكثر ما يؤلم والدينا أن نتشاحن معاً، ونتخاصم، ويقاطع كل منا الآخر، ويحاول أن يؤذيه. فدعونا لا نشعرهم بهذا الألم أبداً. عندما كنت في مثل سنكم كان الأمر يختلط علي؛ فهابيل وقابيل اسمان متشابهان؛ فأيهما الطيب المقتول وأيهما الشرير القاتل؟ ولكن حرف القاف أنقذني؛ فقد وجدت أن اسم قابيل الذي قتل يبدأ بحرف القاف، وهو الحرف نفسه الذي تبدأ به كلمة “قاتل”؛ فشكراً لحرف القاف.