قصص وعبر بعنوان ذكاء وفطنة وحكم عادل أساس في الملك

قصص وعبر بعنوان ذكاء وفطنة وحكم عادل أساس في الملك
الملك ليس فقط تاجًا يزين الرأس أو قوة تُستخدم للسيطرة على الأرض، بل هو مسؤولية عظيمة تتطلب حكمة وفطنة وعدلاً في اتخاذ القرارات. فقد بينت التجارب والقصص التاريخية أن الحكام العظام الذين تركوا بصمة لا تُنسى في تاريخ الإنسانية، كانوا يتسمون بالذكاء الحاد والفطنة في فهم الناس والظروف، إضافة إلى حكمتهم العادلة التي وضعت أساسًا متينًا لحكمهم.
في هذه المقالة، نستعرض قصصًا ذات عبرة عن ملوك حكموا بذكاء وبأسلوب يتسم بالعدل، وكيف أن قراراتهم كانت تضع مصلحة الشعب فوق كل اعتبار، وتوازن بين السلطة والرحمة. هذه القصص تُظهر لنا كيف أن الفطنة في التعامل مع التحديات والذكاء في مواجهة الأزمات، إلى جانب إرساء العدالة، هي العوامل التي تُرسخ مكانة الملك وتُخلد ذكراه.
القصة:
في قديم الزمان يحكى أنه كانت هناك مدينة كبيرة ومكتظة بالسكان، ومما عرفت به هذه المدينة العملاقة أنها مدينة عدل ورخاء، أما عن كان حاكم هذه الإمبراطورية فكان يملك من الأبناء الكثير، ولكن كانت لديه ابنة لا تؤمن مطلقات بقدرة والدها الحاكم على حل المشكلات والأشياء الصعبة التي يتغنى بها سكان مملكته في كل الأوقات.
كانت هذه الابنة لديها رغبة شديدة في معرفة حقيقة ما يفعله والدها والنهج التي يطبقها في حل كل هذه المشكلات والمعضلات التي تواجه المملكة أم أنها درب من دروب الأساطير الزائفة!
وبالفعل جعلت ما رغبت به إرادة وعزيمة على أرض الواقع، فتنكرت كخادمة وباتت بين الناس تبحث عن رزق لها في البلاد، وما لبثت إلا ساعات قليلة وبالفعل وجدت عملا بمنزل رجل متزوج، وصارت تعمل بداخله دون أن يعلم أحد من سكان المنزل الكبير أنها ابنة حاكم البلاد بالتأكيد.
مالك المنزل لديه من الأبناء ابن واحد وحسب، وقد كان لايزال صغيرا للغاية، كانت ابنة الحاكم تعمل داخل العائلة في صمت ولكنها اعتادت على مراقبة الوضع وأبسط وأدق التفاصيل في المنزل؛ وفي أحد الأيام قررت زوجة مالك المنزل حياكة مكيدة لوالدة زوجها، وذلك لأنها دوما ما رأيت ترى زوجها يفضل والدته عليها في كافة الأشياء نظرا لتماديه وفرطه في حبها، تجده لا يراها مقارنة بوالدته وينصف والدته في كل مشاكلهم حتى وإن كانت خاطئة، فكانت متأهبة وعلى أتم الاستعداد لأي فرصة سانحة للانتقام منها على كل أفعالها وعلى كل ما رأته بسببها ومنها طيلة السنوات الماضية.
وأخيرا أتتها الفرصة على طبق من ذهب، ففي يوم من الأيام كانت والدة زوجها في انتظار زيارة ابنتها والتي تحبها حبا شديدا، وما إن جاءت ابنتها نسيت الكون بما حوى، ومن شدة نسيانها لكل من حولها نسيت أنها في رعاية ابن ولدها الوحيد والذي لازال صغيرا لا يعرف شيئا عن الحياة بعد ولا مخاطر الحياة، ولم تكتفي بذلك وحسب بل أيضا نسيت أنها تركته بالشارع خارج المنزل يلعب وحيدا!
أما عن الصغير فواصل اللعب والذي وجد فيه متعة وحلاوة، ولازال يلعب ويلهو حتى وجد نفسه أمام ضفاف النهر، أعجب بمنظر المياه ولونها الجميل، ومن شدة سحر جماله اقترب من النهر يريد أن يعلم ماهية وطبيعة لونه الخلاب الذي جذبه بسهوله له، أراد أن يغمس يديه الصغيرتين في المياه والتي كانت باردة على جلده الجميل، فاقترب أكثر فأكثر ولم يكن يدري لصغر سنه كم المخاطر الذي يحملها النهر في طياته وخفاياه، لم يتدارك خطورة الأمر في النهاية مازال صغيرا، وما إن وضع يده واقترب شيئا بسيطا حتى غطت المياه سائر جسده الصغير وغرق بالمياه التي غمرته ومات!
حينها لم يكن أحد منه يدرك ما يحدث مع الصغير، حتى ابنة الحاكم التي كانت تعمل كخادمة عند والد الصغير، وما هي إلا لحظات قلائل وعلم الجميع أن الطفل مات غرقا، فذهبوا إلى والدته وأخبرها أحدهم قائلا: “إن والدة زوجكِ هي من قتلت بإهمالها ابنكِ قصدا لتنتقم منكِ وتكوي قلبكِ بفقدانه”.
وعلى الفور ذهبت والدة الصبي إلى والدة زوجها وقالت لزوجها أمامها كل ما حدث، وما كان من الزوج إلا أنه ضرب زوجته ضربا مبرحا كعادته، ومن شدة صرخاتها من وجعها على ابنها ومن الأذى الذي لحق بها إثر ضرب زوجها اجتمع الناس ليروا ماذا يحدث!
أيقنت ابنة الحاكم أن هذا الوقت هو الوقت المثالي لتتأكد من مدى عدل أبيها وقدرته على الحكم بالطرق التي طالما تغنى بها الناس، اقتربت منهم جميعا وطلبت من مالك المنزل أن يترك لها الأمر برمته وأنها تأتيه في الحال بالحل، فقالت لهم أنها ستدلهم على حاكم عادل يحكم بهذا الأمر وأنه لم يظلم من حكمه يوما بسبب شدة عدله، فذهب مالك المنزل إلى الحاكم وقص عليه كل ما حدث، وما كان من الحاكم إلا أن ذهب معه حتى وصلا إلى هناك.
وما إن وصل الحاكم ذهب إلى الزوجة وسألها بكل ثقة بينها وبينه: ولكن أخبريني لماذا فعلت كل هذا؟!”
فقالت له الزوجة والدموع تجري من عينيها: “ما فعلت كل ما فعلته إلا انتقاما من والدة زوجي لأنها على الدوام تسيء معاملتي أمام الجميع وتقلب علي زوجي، ولا تفوت عليها فرصة إلا وأذلتني”.
فذهب الحاكم إلى الزوج وسرد عليه كل ما فاضت به زوجته، وذهب الحاكم إلى والدة الزوج وسألها عن الأسباب والدوافع وراء فعلها لكل ما أخبرته به زوجة ابنها، فقالت له كل شيء وجادت بكل ما بداخلها، وحقدها جعلها تزيد وتفيض بما تعرفه وما لا تعرفه أيضا!
خرج الحاكم للزوج وأخبره بأن والدته هي المخطئة من البداية، وأن الإنسان منا له قدرة محددة على التحمل، وكل فعل رد فعل؛ وبذلك تمكن الحاكم الحكيم العادل من حل المشكلة.
في هذه اللحظة تأكدت ابنته من أن أباها يحكم بالعدل مثلما يذكر من قبل الجميع، وأن كل ما قيل في حقه ما كان إلا نتيجة لأفعاله وإصراره على تقصي الحقائق والوصول للحكم العادل، وليس ادعاء مثلما كانت تعتقد.