قصص وعبر ذات وقع وأثر على القلب والنفس

قصص وعبر ذات وقع وأثر على القلب والنفس
القصص والعبر هي واحدة من أقدم الوسائل التي استخدمها الإنسان لنقل المعاني والحكم. عبر العصور، استطاع الإنسان أن يروي قصصًا تلامس القلب وتحث النفس على التفكير والتغيير. هذه القصص، التي قد تكون مستوحاة من واقع الحياة أو خيالات الأديب، لها وقع كبير في تشكيل مفاهيمنا وتعميق فهمنا للوجود. فهي لا تقتصر على التسلية، بل تحمل في طياتها دروسًا حياتية تعكس صراعات الإنسان مع نفسه ومع محيطه. إذن، يمكن القول إن كل قصة ترويها الأجيال تظل بمثابة مرآة تُظهر جوانب متعددة من المشاعر والأفكار التي لا تنتهي.
في هذا المقال، سنتناول بعض القصص التي تحمل عبرًا وعظات تلامس الأرواح وتترك أثراً عميقاً في القلوب. سنكتشف كيف أن هذه القصص ليست مجرد سرد لأحداث، بل هي رسائل عميقة تعلمنا كيف نواجه تحديات الحياة ونستفيد من تجارب الآخرين.
القصة الأولى:
يحكى أنه بزمن ما بالأزمنة قديما كان يوجد حاكم اتسم بالفطنة ورجاحة العقل وسداد الرأي، فكان على الدوام ملما بأمور مملكته وبكل رعاياه بها، وبيوم من الأيام قام بحيلة ذكية مبتغيا أن يعلم جميع من بمملكته درسا قيما للغاية؛ والحيلة كالتالي أمر رجال المقربين بوضع صخرة هائلة بمنتصف الطريق الرئيسي بطريقة تحول كل المارين وتمنعهم بشكل كلي ونهائي.
كما أنه أمر أحد الكُتاب الموثوق بهم بالاختباء خلف شجرة ضخمة كانت على الطريق على مقربة من الصخرة التي وضعت من قبلهم، أمر ذلك الكاتب بتدوين تصرفات كل من يمر بهذه الصخرة خلال يومين اثنين، وبعدها يوافيه بكافة التفاصيل.
وفي اليوم الأول من وضع الصخرة العملاقة مر تاجر مشهور للغاية بكافة أنحاء المملكة، وعندما وجد التاجر الصخرة انزعج كثيرا وتأفف وأخذ يصيح عاليا مهددا ومتوعدا بأنه سوف يُعاقب من قام بوضع هذه الصخرة وسد الطريق عليه وسيحرص على معاقبته أشد العقاب على فعلته الشنيعة هذه، ورجع عن طريقه مبتعدا عن الصخرة.
وبعدما قام الكاتب بتدوين كل كلماته وأفعاله مثلما أمره الحاكم، ولكنه ضحك في نفسه من تصرفه الأحمق لأنه لو علم أن الحاكم سيعلم بفعلته لما قال شيئا مما تفوه به والذي سيندم عليه كثيرا فيما بعد.
وفي بنهاية اليوم الأول مر رجل من أطراف المملكة وقد كان يعمل بالبناء، وعندما اعترضت الصخرة طريقه، اكتفى بلعن حظه العسر واستدار عن طريقه واكتفى بذلك وبابتعاده عن الصخرة المزعجة وسلوكه لطريق آخر غيره.
ومع بداية اليوم الثاني كان لا يزال الكاتب يراقب الوضع ويدون كل ما يحدث مثلما أمره الحاكم، وإذا بثلاثة من الأصدقاء والذين كانوا في عمر الزهور اليافعة يمرون من الطريق ويفاجئون بالصخرة بمنتصف الطريق تسده عليهم، وكل ما خرج منهم من فعل، قاموا بالسخرية من نظام مملكتهم، واكتفوا بالعدول عن طريقهم فعادوا من حيث أتوا وقد اتخذوا من طريق آخر وسيلة أفضل وأكثر سهولة؛ وفي بنهاية نهار اليوم الثاني إذا بفلاح مدقع الفقر يمر من على الطريق وفوجئ بالصخرة الضخمة، فتعجب من مكانها بمنتصف الطريق، ولكنه وبخلاف الآخرين فعلى الفور عمل على إزالتها عن الطريق لكيلا يتأذى أحد دون أن يتفوه بكلمة واحدة.
لاحظ كاتب الحاكم أن الصخرة كانت شديدة الثقل على الفلاح، ولكنه وعلى الرغم من ثقلها إلا أنه لم يصيبه أي إحباط بل إنه أسرع بطلب مساعدة أحد المارة بالطريق، وبالتعاون وفيما بينهم تمكنوا من إزالتها ثم رحل من استعان بهم الفلاح، أما عن الفلاح فقد آثر البقاء لينظف المكان بعد إزالة الصخرة منه.
وبينما كان الفلاح المتواضع ينظف بكل إتقان وضمير فوجئ بنفس موضع الصخرة المزاحة صندوقا موضوعا بأسفلها، وعندما قام بفتحه الفلاح ليعلم ما بداخله فوجئ بالكثير من القطع الذهبية، وأيضا وجد بداخله لوحا قد كتب بماء الذهب، وقد جاء باللوح أن الذهب الموجود داخل الصندوق هو حق لمن يُزيل الصخرة عن الطريق، وذلك مكافئة له على كونه الإنسان الوحيد الذي يحمل كل المواصفات السامية التي نحتاج إليها وبشدة لبناء مملكتنا، نحتاج لمثلك لكل من يسعى لمصلحة غيره والتي لا تتعارض مع مصلحته.
القصة الثانية:
في يوم من الأيام كان يوجد رجلاً غنيًا، وكان له ولدا وحيدا والذي كان يوشك على التخرّج من جامعته؛ ولفترة طويلة من الزمن كان الابن يلحّ على والده بقوة شديدة أن يشتري له سيارة جديدة، فوالده ثري ثراء فاحش ويملك من المال ما يكفي لشراء السيارة وأكثر من ذلك بكثير.
وفي يوم التخرّج استدعى الأب ابنه إلى مكتبه، كان الابن فرحا للغاية وكما توقع قدّم له هدية مغلّفة مُهنّئًا إياه على تخرّجه وتحقيقه النجاح الذي أراده.
ولكن بنظرات ملأتها الخيبة من الابن، فتح الهدية والتي فكانت عبارة عن دفتر مذكّرات أنيق للغاية بغلاف جلدي منقوش بحرفية بالغة، وقد نُقش عليه من الخارج اسم الابن بخطّ جميل ورائع؛ غضب الابن كثيرًا، فرفع صوته على والده وألقى بهديته أرضا وغادر المنزل ولم يعد إليه البتة!
ومنذ ذلك اليوم لم يرَ الابن والده، وانطلق في حياته وحيدا وكأنه أراد أن يثبت شيئا ما لنفسه، وبالفعل أصبح ناجحًا وثريًا مثل أبيه وأكثر.
تزوّج وأسّس عائلته وأصبح له أبناء، وانشغل في حياته؛ ومع شعور الأبوة تدارك الابن أخيرا أنّ والده يتقدّم في السنّ، وأن الوقت ربّما قد حان ليتخلى عن ماضيه وأحزانه ويطلب العفو من والده ولكنه كان متأخرًاّ!
إذ ما لبثت أن جاءته رسالة تحمل خبر وفاة والده، وعليه العودة إلى المنزل لإدارة ممتلكاته، كان أثر الصدمة ووقعها كبير على الابن، وبقلب مُثقل بالندم وتأنيب الضمير، ذهب إلى منزل والده ودخل إلى مكتبه يتفقّد ممتلكاته وأوراقه المهمّة، فوقع نظره فجأة على الدفتر الجلدي الذي أهداه له والده قبل سنوات طوال، فقام بفتحه، وفيما راح يقلّب الصفحات، وقع فجأة منه مفتاح سيارة!
ومع المفتاح كانت هنالك ورقة صغيرة كُتب عليها: ( مدفوع بالكامل… أيًّا كانت الدروب التي تأخذك إليها هذه السيارة، اكتبها في هذا الدفتر لتبقى ذكرى لا تمحى)!